يبدو غريباً ان يرتبط بناء النظام بالتخريب و لكنه عمل مألوف عند لاعبي الاوراق عندما لا يكون اوراقه وفق رغبته يطلب من الاخرين خلط الاوراق ثانية و اعادة التوزيع في سبيل تأمين الحصول على الاوراق التي تسنح له فرصة الفوز و بعكسه لا يكون النصر حليفه و هذا يعني بأن النظام الجديد (التوزيع الجديد بمعنى اخر) قد بني على التخريب و اعادة الهيكلة .
باتت هذه الكلمات المتضادة في معانيها اذا جاءت بمفردها و المتناسقة اذا ارتبطت ببعضها مبدأً اساسياً و منهجاً في السياسة الدولية و معالجة القضايا العالقة ، و ان الدول الكبرى التي تمتلك القرار في سبيل بسط هيمنتها على الدول كثيراً بل في جميع الاحوال تلجأ الى العمل بهذا المبدأ و تتفق فيما بينها على تدمير ماسبق بناءه من الانظمة السياسية الحاكمة و تخريب البنية التحتية للمناطق لتكون فرصة ذهبية لاعادة هيكلة تلك الانظمة و المناطق وفق ماتشتهيها مصالحها و ترسم حدوداً و تؤسس كيانات جديدة على انها كانت الامل المنشود لأهالي تلك المنطقة , و ان التاريخ البشري شاهد على ما نذهب اليه و هذا يعني بأن اعادة هيكلة الانظمة و الكيانات السياسية لا تتغير في الظروف الطبيعية و الانقلابات في ابسط صورها هي ثمار لسوء الاحوال الاقتصادية و السياسية و تردي الامن و ضعف السلطة الحاكمة على تقديم الخدمات المختلفة الى المواطنين الخاضعين لها , و لكي لا نذهب بعيداً فان تأسيس العراق كنظام سياسي عام 1921 جاءت كثمرة لسوء الاحوال و قلة الخدمات في ظل سلطة الرجل المريض الذي اصابه التصدع و الانهيارات المتتالية قلصت من سيادتها حتى حصرت في تركيا الحالية و ان ظروف الحرب العالمية و انتصار الحلفاء و اطماعها في المنطقة اسباباً اخرى لانبثاق انظمة جديدة بحدود رسمتها ريشة المصالح الدولية .
و من الجانب الاخر فأن الفيدرالية الكوردستانية عام 1992 انبثقت من الخراب و التدمير الذي مارسته النظام العراقي السابق طيلة العقود الاخيرة من القرن الماضي بين التعريب و تدمير القرى و المدن و اعتقال المدنيين و عمليات الانفال و استخدام الاسلحة الكيمياوية و المحاولات المستمرة لطمس الهوية الكورستانية و فصل كل ما يربط بين الانسان الكوردستاني و ارضه و تاريخه و ثقافته و تراثه .
اذن النظام الفيدرالي لأقليم كوردستان انبثق من عمليات التدمير المنظمة حتى و صلت ذروتها بغزو دولة الكويت (الذي مر قبل ايام ذكراها) و فعل النظام العراقي كل اشكال العنف و القتل و التشريد و وقف المجتمع الدولي بوجهه و دمرت الترسانة العسكرية و انتهت بقيام الانتفاضات الشعبية في الجنوب و الشمال. و ان القراءة السريعة لما يمر بها المنطقة برمتها تؤكد بان مرحلة التخريب قد بدأت منذ سنوات باختلاف اداتها بين الجماعات القومية العنصرية و الدينية المتطرفة التي احرقت اليابس و الاخضر فان الجماعات الارهابية المتعددة في مسمياتها و اسباب ظهورها و سيطرتها على المنطقة و وقوف المجتمع الدولي بوجهها دفعت المنطقة بمدنها و قراها الى التدمير الذي قل مثيلها في التريخ و ربما يوشك مرحلة التخريب على النهاية خاصة بعد دحر داعش في الموصل والهجوم عليها في الداخل السوري لتبدأ مرحلة انبثاق انظمة سياسية جديدة في كيانات جديدة ايضاً بحدود كانت ضرباً من الخيال قبل سنوات منها على سبيل المثال الكيان الشيعي و اخر سني و يبقى الكورد متأرجحاً بين طموحاته في بناء كيان مستقل له ينعم بحياته و حقوقه الذي ناضل من اجلها و بين تهديدات الدول المجاورة و الاصوات الداخلية التي تعزف على ما تشتهيه هذه الدول بعدم مناسبة الوقت و عدم فلاح الحكومة الكوردستانية في الادارة و تقديم الخدمات او ان الاعلان عن الدولة سيعرض الاقليم الى الحروب الدموية و الحصار الاقتصادي و عزلة دولية تامة , و لكن القيادة السياسية ماضية في اجراء الاستفتاء و تحاول رص الصف الداخلي و حل المشاكل العالقة لأن قراءتها للاحداث تؤكد بان المنطقة مقبلة على التغيير و ان الشعب الكوردستاني يستحق ان يملك قراره المصيري الذي طالما حرم منه لا لضعفه بل كان ضحية لمؤامرات و مصالح دولية و اقليمية و يبدو انها اعتمدت على هذا المبدأ كثيراً في عملها على الصعيد الدولي و الداخلي و الامل منشود بان الحلم الكوردستاني سيكون واقعاً في القريب العاجل بأذن الله و همة الاوفياء و المخلصين من الشعب و القيادة .