النظام الفيدرالي : هو شكل من اشكال الحكم في العالم وتكون على شكلين شكل فيدرالية عرقية او طائفية والاخرى فيدرالية ادارية .ففي الدول الفيدرالية العرقية او الطائفية غالبا ما تكون تقسيم اراضي الدولة حسب الاعراق والطوائف التي تشكلها كما كانت موجودة في الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا سابقا حيث انفصلت وتجزأت الى دويلات , اما الفيدرالية الادارية فهي تقسيم الدولة الى وحدات ادارية ومجاميع سكانية لا تستند الى عرق او طائفة كما هي الحال في الولايات المتحدة واستراليا والمانيا ومهمة هذه الحكومات المحلية مساعدة الحكومة المركزية بالقيام باعباء ادارة المنطقة والاشراف على الخدمات واصدار قوانين محلية تتناسب مع ثقافة تلك المنطقة وجغرافيتها وتسهيل الامور الخدمية للمواطنين دون التدخل بالقرارات السياسية والامنية للدولة المركزية وستراتيجيتها
ومن القضايا المثيرة للجدل في الدستور العراقي هي اقامة الاقاليم الفيدرالية من محافظة واحدة او اكثر حيث تم دسها في الدستور الجديد الذي كتب باشراف امريكي ومن قبل السياسيين العراقيين من دون دراسة مستفيضة من قبل القانونيين المحايدين فلذلك ولد الدستور العراقي بمواد تناقض احداها الاخرى.والعذر الذي يطرحه الموافقون عليه ان الشعب العراقي صوت عليه ولكن كم من الشعب العراقي قرأ الدستور وكم من الشعب العراقي له قابلية تحليل فقراتها المموهة والمكتوبة بتفنن لغوي فائق يصعب حتى على الكثير من الطبقة المثقفة معرفة مغزاها!!.
والنظام الفيدرالي في العراق كان مطلبا امريكا قبل الاخرين حيث تم فرضها على موتمر المعارضة العراقية التي عقدت في فينا عاصمة نمسا في التسعينات وتم درجها لاول مرة في البيان الختامي للموتمر الذي رعاه الولايات المتحدة الامريكية بشكل مطلق ولم يحضرها حينها المعارضين البارزين سوى الحزبين الكرديين وبعض الشخصيات التي ليست لها ثقل سياسي كبير.
يقول مستشار الامن القومي الامريكي السابق برجنسكي وهو من اصول يهودية بولوندية ان العراق الذي بثلاثة اجنحة (العرب الشيعة والعرب السنة والاكراد) لا يمكنها الطيران.وقال اخرون ان العراق سيقسم الى 4 او5 دويلات صغيرة بعد تقسيمها الى مناطق فيدرالية عرقية وطائفية.
وفي تسعينات القرن الماضي الى سقوط النظام وما بعدها اصبحت الملف العراقي بشكل كامل بيد الولايات المتحدة الامريكة فوافق اكثرية المعارضين لنظام صدام المشتركين في موتمر صلاح الدين على جعل العراق نظاما فيدراليا والتي كانت اهم مطلب امريكي – كردي وبالتالي اهم مطلب اسرائيلي , لان الاسرائيلين ومنذ الخمسينات عملوا على دعم اي مشروع تقسيمي وتضعيفي للعراق حيث العلاقات بين المرحوم ملا مصطفى البارزاني والاسرائيلين والزيارات المتبادلة بين الطرفين كانت لهذا الهدف.
بعد فرض الولايات المتحدة وحلفائها الحظر الجوي لشمال العراق وجعلها منطقة آمنة حسب قرار مجلس الامن الدولي رقم 598 والتي شملت المحافظات ذات الاغلبية الكردية سليمانية دهوك واربيل , وبعد انسحاب القوات العراقية منها تم اجراء انتخابات شكلية وتم تقاسم السلطة بين الحزبين الاتحاد الوطني الكردستاني بقياة جلال الطالباني وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني والتي سميت بحكومة فيفتي فيفتي ( اي خمسين بالمئة لطالباني وخمسين بالمئة لمسعود) وتم تسمية شمال العراق باقليم كردستان من طرف الاكراد فقط دون ان تعترف النظام العراقي بها وحتى ان الولايات المتحدة الامريكية الحامية لها عسكريا تركتها سياسيا ولم تستعمل عبارة اقليم كردستان نهائيا واكتفت الخارجية الامريكية والمسوولين الامريكيين في بياناتهم وتصريحاتهم بعبارة شمال العراق فقط لعدم وجود كيان سميت بهذا الاسم تاريخيا وقانونيا في تلك المنطقة ولوجود اقوام اخرى اعرق وجودا في المنطقة ولكن بكثافة اقل من كلدان واشوريين وتركمان وعرب وايزديين يعيشون في نفس الجغرافيا في محافظات اربيل ودهوك ماعدا السليمانية.
لم تنجح حكومة الشراكة بين جلال الطالباني ومسعود البارزاني في ادارة المنطقة الآمنة والمدن الثلاثة في شمال العراق فبدأت الاحزاب الكردية تتقاتل فيما بينها من اجل النفوذ والسلطة والمال ولوجود خلافات تاريخية بين الاحزاب الكردية نفسها ووجود خلافات اجتماعية قديمة بين الاسر والقبائل, فطلب جلال الطالباني عام 1993 رسميا من تركيا ادارة المنطقة بنفسها وضمها الى اراضيها والسماح بتداول العملة التركية في شمال العراق والانفصال من الدولة العراقية بشكل كامل الا ان الطلب لاقى رفضا تركيا ,حيث تركيا الحائرة باكرادها لم تكن تريد ان تزيد مشاكلها اضافة الى اسباب اخرى!.
وبعد ذلك الرفض اقترح جلال الطالباني حلا آخر وهي تقسيم شمال العراق بين الطرفين المتخاصمين واطلق على طرف مدينة السليمانية تسمية سوران وعلى طرف مسعود بادينان نسبة للغة التي يتكلم به كل طرف, فسيطر جلال الطالباني عام 2005 على اربيل بالقوة وطرد افراد مسعود منها بدعم تسليحي ايراني مقابل قضاء ايران على معارضيها الاكراد في شمال العراق حيث فتك بهم الحرس الثوري الايراني بهجوم مباغت في وادي قرب مصيف شقلاوة العائدة لمحافظة اربيل.
ووصلت الامر الى حرب ضروسة بين الطرفين فأستنجد مسعود البارزاني في اب عام 1996 بقوات الحرس الجمهوري والمخابرات العراقية ضد غريمه جلال الطالباني فتم حصر نفوذ جلال الطالباني في السليمانية وفي مناطق الاكراد الذين يتكلمون اللغة السورانية فاصبحت اربيل ودهوك من حصة حزب الديمقراطي الكردستاني وعشيرة البارزان تحديدا وبقيت السليمانية ولحد الان بيد جلال الطالباني وحزبه رغم انشقاق بعض الحزبيين من حزبه ماخرا وتاسيس حزب آخر باسم التغيير.
لم يتغير الوضع الذي كان عليها بعد سقوط النظام عام 2003 فلم يتفق مسعود وجلال على توحيد قوات البشمركة والامن التابعة اليها في امرة واحدة وكذلك القضايا المالية وايرادات الكمارك , ففي الحقية ليست هناك شيئا اسمه اقليم فدرالي في شمال العراق وانما هناك مدن شبة مستقلة من العراق تدير نفسها بنظام الحزب الواحد والعشيرة الواحدة والقائد الاوحد والسياسة المستقلة.
العوامل التي ساعدت على نجاح النسبي للخدمات في المدن الشمالية للعراق
والعوامل التي ساعدت على نجاح الخدمات في مدن شمال العراق بالنسبة لمدن العراق الاخرى ليست في استعمالها مصطلح اقليم فيدرالي والتي بدات يتشبث بها بعض محافظات العراق الاخرى وانما اسباب اخرى مثل :
1- عدم استهداف القاعدة والجماعات التكفيرية والبعثية لشمال العراق لان اكثرية القوى السياسية في العراق مقتنعون على اعطاء الاكراد وضعا خاصا بهم لعدم اندماجهم مع الاغلبية العربية في العراق والتي أدارت الدولة حفنة منهم في العقود الاخيرة بشكل خاطئ ادت الى حروب وكوارث وجرائم كثيرة في جميع المستويات.
2 – حصول الحزبين على %17 من ميزانية العراق بالاضافة الى ايرادات الحدود الايرانية – العراقية من طرف سليمانية وايرادات الحدود التركية – العراقية من طرف زاخو(دهوك) والتي تبلغ اكثر من 10 مليارات دولار من التبادل التجاري في السنة.
3 – اعتدال الجو ووجود المياه بوفرة والسياحة والمحاصيل الزراعية.
حيث اصبحت شمال العراق في تسلسل رقم 20 في قائمة المناطق السياحية في العالم.
4 – تهريب النفط والبانزين الى ايران من الشمال وتهريب النفط من كركوك ليسطرة قواتهم على شركة نفط كركوك والاستفادة من حقول اراضي محافظة الموصل فربما تصل ايرادات الحزبين الحاكمين في شمال العراق الى ما يقارب %30 من مجموع الكلي لواردات العراق .علما ان نسبة سكان 3 محافظات شمالية بالنسبة لسكان العراق بحدود %11.
5 – العامل الثقافي ,حيث تهتم المجتمع الكردي بالنظافة بنسبة اكثر وتاثرت بالمجتمعات الاخرى الاكثر تطورا في العقود الاخيرة لتماسهم مع تركيا وايران و الغرب.وكذلك احتفالات الربيع(النوروز) تساعد على ايجاد مناطق خضراء وانشاء حدائق وبالتالي تشغيل الايدي العاملة.
وبالمقابل فبدلا ان يستغل قضية الحسين (ع) في الاتجاة الصحيح لتنمية مدن الجنوب نلاحظ هدرا للطاقات حيث النفايات وعدم الاهتمام بالشوارع والارصفة بالطبخ عليها وتحطيم الاسفلت, فما الذي يقدمه ضرب القامة والزنجير في شهر محرم في الجنوب العراقي لاسابيع طويلة غير اتساخ الشوارع والجدران من الدماء المسالة والاقمشة الملطخة بها !!!(مع اعتزازنا بقضية الحسين ع )
6 – وجود خبرة وشركات اجنبية حيث تعمل في شمال العراق شركات تركية ويابانية وكورية وامريكية وسويدية ونمساوية وهولندية وايرانية واستثمارات اماراتية وغيرها حيث تعمل في شمال العراق ما يقارب من 60 الف عامل وخبير تركي .
7 – وجود دعم دولي للاكراد لان الاحزاب الكردية لم ولن يكونوا خطرا على الدول الغربية وهم الجهة الوحيدة التي تعتمد عليهم اسرائيل في العراق.
8 – وجود مستشفيات واطباء من دول اخرى تساعد على جذب الاموال من مناطق العراق الاخرى.
وليس هناك تجانس واقليم في شمال العراق وانما منطقتين صغيرتين احداهما سليمانية واخرى اربيل ودهوك وبواردات تبلغ عشرات المليارات!!!!.فكيف لا تنجح الخدمات نسبيا؟
فنجاح الخدمات والاستقرار في شمال العراق لا تعود لمصطلح الفيدرالية او الاقليم وانما لوجود عوامل اخرى فجميع سكان المنطقة الشمالية من المحافظات الثلاث لا تزيد نفوسها عن نفوس البصرة ولكنها كما ذكرنا تستحوذ على حولي ربع ميزانية العراق. فلنفرض ان محافظات الانبار او صلاح الدين او القادسية في الجنوب تحولت الى اقليم فما الذي يتغير؟ هل تتغير المناخ ام الثقافة ؟ وهل تتسابق الشركات الاجنبية لعمل مشاريع في هذه المناطق ؟فاين المال الكافي؟ ثم ماذا لو اصبحت البصرة اقليما بنفسها واتبعت حذوا الاكراد وانفصلت ؟ فمن اين تاتي المال ؟فالمشاريع التي تقوم بها العراقيين فاشلة او شبة فاشلة وتفتقر الى دراسة شاملة ومستقبلية والخبرة والاستشارة الاجنبية ضرورية ثم ان هولاء الذين يطبلون ليكونوا اقليما فيدراليا حتى ينفصلوا عن الحكومة المركزية لم ينجحوا هم منذ اعوام في القضايا التي كانوا ولازالوا هم احرار ومستقلين فيها مثل تنظيف المدن حيث الوساخة والقاذورات تملأ الشوارع والمواطن لا يستطيع المشي على الرصيف حيث الاهمال والتجاوز عليه من قبل البيوت والمحلات التجارية فهل ان كلمة الاقليم سوف ترفع من مدنية وثقافة سكان تلك المدن؟
اذن حل المشاكل ليست في التسميات وانما في المحتوى والعوامل فباكستان تدار بنظام الاقاليم والمقاطعات الشبه مستقلة ولكنها في اسفل قائمة الدول في العالم من حيث الامن والاقتصاد وفي القمة في قائمة الفساد!!.
والنظام في اليابان ليس فيدراليا ولكنها من انجح الدول في العالم لما يملك شعبه من مقومات ثقافة العمل والمثابرة الدووبة والعراق كان نظاما اشتراكيا وشموليا في عهد احمد حسن البكر ولكنها كانت في تطور وتنمية لابأس بها قياسا لدول الشرق الاوسط وخاصة في السنوات التي اعقبت توقف الحرب في الشمال من عام 1975 لغاية مجيئ صدام الى السلطة.
فلو لا الفساد المستشري في شمال العراق وايثار الحزبين بموارد الاقليم لكانت الوضع الخدمي اكثر تألقا فقبل حوالي اكثر من سنة وضع مسعود البارزاني في حسابه الخاص في السويد اكثر من مليار وثلاثمئة مليون يورو بعد رفض بنوك ايطالية والمانية ايداعها لانها تعتبر غسيل اموال , فلا زالت الاحزاب الكردية تتآمر على بعضها في الخفاء والنظام العشائري هي السائد وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها مسعود البارزاني حيث تستحوذ عشيرة البارزان على المقاولات والقوى الامنية والسياسية وتتصرف بعقلية النظام السابق.
ملاحظة مهمة : اود ان التف النظر الى ان اية مواضيع التي اتناولها حول الاكراد لا تعني معاداتهم كما يفسر اكثر الاكراد الاخرين بعلم او بدون علم والمصطلح الفوري لديهم في وصف الاخرين ب (الشوفينية ) فنقد مسعود البارزاني او سياساته او تاريخه او اخرين منهم او ايراد حقائق لا تعني العنصرية ضد الكرد فمثلا انتقاد حكومة فرنسا ورئيسها ساركوزي او تناول تاريخ فرنسا الاستعماري لا تعني معاداة الشعب الفرنسي مثلما انتقاد بشار الاسد لا تعني معاداة شعب سوريا.