23 ديسمبر، 2024 8:15 ص

النظام النيابي.. والعملية السياسية في العراق

النظام النيابي.. والعملية السياسية في العراق

( تنويه: كل كتاباتي ومقالاتي وأعمدتي الصحفية وحواراتي المنشورة عبر مختلف وسائل الإعلام لا تمثل ألبته آرائي وتوجهاتي الخاصة.. بل هي استقراء للواقع بشكل موضوعي وعلمي مستنداً على المعلومات الحقيقية.. لذا اقتضى التنويه).

ـ الأنظمة الديمقراطية النيابية:

الديمقراطية النيابية:

ـ هي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة.. الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين.. وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة.. بل ينتخب نواباً يقررون عنهم.

ـ وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديمقراطي في العصور الأخيرة.
ـ وشهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في إعداد نظم الحكم هذه.. لهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديمقراطية نيابية (وأحياناً يُطلق عليها “الجمهوريات”).

أنواع الديمقراطيات:

ـ بالإمكان تقسيم الديمقراطيات إلى ديمقراطيات ليبرالية.. وغير ليبرالية.
الديمقراطية الليبرالية:

ـ شكل من أشكال الديمقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون.

ـ قائمة على مبدأ الفصل بين السلطات.. ويضمن دستور الدولة للمواطنين (بكل اطيافهم) حقوقاً لا يمكن انتهاكها.

الديمقراطية غير الليبرالية:

ـ هي شكل من أشكال الديمقراطية.. لا توجد فيها حدود تحد من سلطات النواب المنتخبين ليحكموا كيفما شاءوا.

ـ في الأنظمة الديمقراطية النيابية (البرلمانية) تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء.. الذي يمثل الشعب.

ـ منصب رئيس الوزراء يأتي من خلال الانتخابات العامة.. ولم تقيد الدول الديمقراطية النيابية التقليدية عدد ولايات رئيس الوزراء.. بل إن رئيس الكتلة الفائزة بأعلى المقاعد النيابية يكون هو رئيس الوزراء مهما كان عدد الدورات الانتخابية.

ـ الديمقراطية.. والتطورات العالمية:

ـ بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1045).. والتطورات التي طالت كل شيء في الحياة.. شعرت الشعوب والدول إن استمرار فوز حزب معين يعني إن الحكم الديمقراطي قد يتحول إلى حكم شبه وراثي.

ـ إضافة إلى إن الأنظمة السياسية لابد أن تجدد شخصية رئيس الوزراء.

ـ فكانت أول الدول النيابية الديمقراطية فرنسا.. التي قيدت هذا النص بجعله لثلاث مرات.

ـ أما بريطانيا فبعد الحرب العالمية الثانية.. أصبح عرفاً قانونياً تجديد انتخاب أفضل رؤساء وزاراتهم لمرة واحدة (أي إنها حددتها بولايتين).

ـ الديمقراطيات النيابية الحديثة:

ـ كتركيا.. وروسيا.. مثلا: فثبتت في دساتيرها لدورتين فقط.

ـ بعض هذه الدول بدأت أحزابها أو شخصيات رؤساء وزاراتها.. ترشح لمنصب رئيس الجمهورية (البروتوكولي) لتستمر في السلطة.. وبالتالي لتستمر علاقتها بجماهيرها من خلالها مشاركتها بالحياة العامة.

ـ العملية السياسية في العراق:

ـ الديمقراطية التي اعلنت في العراق بعد 2003 واجهت توجسا كبيرة من غالبية العراقيين.. بعبارة أدق من غالبية عراقيي الداخل.. وهم غالبية الشعب.

ـ أقامت أمريكا (العملية السياسية في العراق).

ـ وأشرفت بشكل مباشر على كتابة الدستور.

ـ ويبدو انه كتب بشكل مبهم.. ووضع قنابل موقوتة في العديد من فقراته.. عن دراية.. ام غير دراية!!

مميزات العملية السياسية:

فقد تمثلت ب:

ـ اقامة (الفيدرالية) غير المتوازية.

ـ نظام نيابي لا يشبهه نظام في العالم.

ـ إقامة دولة المكونات.. بدل دولة المواطنة.

ـ الفيدرالية نظاما ديمقراطيا حديثاً.

ـ النظام الفيدرالي في العراق.. أعطى فيدرالية إقليم كردستان قوة دستورية تكون هي بالند للعراق الاتحادي وأقوى من ذلك.

ـ فإذا حدث اختلاف بين دستور الدولة ودستور كردستان.. فدستور كردستان هو الذي يطبق.. عندما حصروا أعمال الدولة الاتحادية وأطلقوا صلاحيات الإقليم.

ـ الفيدرالية لإقليم كردستان فقط.. وليس لأي إقليم جديد.

الفيدراليات الجديدة:

ـ منح الدستور العراق لعام 2006 النافذ.. حق المحافظات العراقية لإقامة فدراليات جديدة.. ضمن ضوابط معينة.

ـ الفيدراليات الجديدة: لا ينطبق عليها قانون فدرالية اقليم كردستان.. بل ينطبق عليها الدستور العراقي.

ـ وهكذا فقد مادة ( العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات).. قيمتها الفعلية والدستورية.. ولم يعد العراقيون متساوون.. لا في الحقوق.. ولا في الواجبات)!!

الدستور العراقي.. وولاية رئيس الوزراء:

ـ أخذ الدستور العراقي لعام 2006 الحالي النافذ بالنظام الديمقراطي النيابي.. لكنه لم يقيد عدد ولايات رئيس الوزراء.

ـ كان يمكن أن لا تشكل مشكلة في حالة استطاع رئيس الوزراء جعل سياسته ونشاطاته تنسجم مع الدستور تماماً.. والإيفاء بالتزاماته وبتعهداته واتفاقاته مع الشركاء.

ـ مسيرة أول رئيس منتخب.. نوري المالكي (2006 ـ 2014).. أثبتت عدم التزامه بأي اتفاق أو تعهد.

ـ أمثلة على ذلك لا الحصر: (اتفاقيتي اربيل الأولى والثانية.. وعدم تعين وزيري دفاع ووزير داخلية.. وعدم تشكيل المجلس الأعلى للاستراتيجيات التي تم الاتفاق ليكون أياد علاوي رئيسا له.. ومشكلة رواتب البيشمركة.. عدم حل مشكلة الإعتصامات في الأنبار في بدايتها لتتوسع وتتحول الى اعتصام قد سيطر عليه بعض القوى المتطرفة!!

ـ الاستفتاء في إقليم كردستان في تشرين الثاني 2017.. في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي .. وما أدى الى إعادة الأوضاع بيد الحكومة الاتحادية وفق الدستور.

ـ التخصيصات المالية لإقليم كردستان.. وعدم التزام الإقليم بتسليم 250 كميات النفط.

المخصصة الى الحكومة الاتحادية.. وواردات المنافذ الحدودية.

ـ ترك الحكومات الاتحادية المشكلات الخطيرة وعدم حلها مثل: البطالة.. الإسكان.. الفقر.

ـ عدم معالجة تركات النظام السابق.. خاصة الإهمال الكبير في المحافظات الجنوبية.

ـ الفساد.. والتزوير.. والمحاصصة.. والقائمة تطول …………

ـ الاخطر: سياسة تخوين المقابل.. وهي أخطر وأسوء سياسة.. ولا تحل المشكلات بل تعقدها.. وهكذا بدأت المطالبات والدعوات من جميع الكتل السياسية بعدم تجديد ولاية المالكي لرئاسة الوزراء.. وحيث انه لا يمكن تعديل الدستور وتقيدها دستوريا.

ـ كان الفيصل بذلك هي الانتخابات النيابية العامة التي فازت بها دولة القانون مرة ثالثة.. على الرغم من كل الملاحظات التي قيلت بشان الدعاية الانتخابية.. والتجاوزات.. وشراء الأصوات وغيرها من طعون اتهمت دولة القانون بممارسته.

التغييرات التي فرضها الواقع:

ـ رفضت كل الكتل السياسية الكبرى الولاية الثالثة للمالكي أدت الى اختيار حيدر العبادي القيادي في حزب الدعوة الإسلامية.. والكادر في كتلة دولة القانون رئيس وزراء وفق اتفاق سياسي يشكل قنبلة مؤقتة.

ـ المهم فرض الواقع إجراء إصلاحات كبيرة (سياسية واقتصادية ومحاربة داعش).

ـ إعلان العبادي خطة إصلاح بدأت بتعديل وزاري ومكافحة الفساد.. وحصل العبادي على تفويض المرجعية الدينية والشعب ومجلس النواب.

ـ اخفاق العبادي في إجراء تغيير تذكر بل أصبحت الكتل السياسية أكبر منه.. ووصل الأمر الى انه لا يستطيع إقالة موظف والأمثلة كثيرة: (إقالة أمين بغداد نعيم عبعوب.. أو إقالة وزيرة الصحة عديلة حمود.. أو إعفاء مدير عام صحة الكرخ).

ـ فشل العبادي في سياسته الإصلاحية.. وعدم قدرته محاربة الفساد المستشري بالدولة.. وأصبحت الكتل أقوى منه.

ـ لتبرز لنا الانتخابات النيابية العام 2018 أوضاعاً جديدة.. وشكلت حكومة عبد المهدي ليست على أساس الكتلة الأكبر.. بل اتفاقات.. وتجسدت المحاصصة بأجلى صورها حتى.. حكومة ضعيفة قضت سنة بلا أي إصلاح ولا تحقيق 1% من برنامجها.

ـ لتعم البلاد التظاهرات.. بمطالب استقالة الحكومة.. ولتتحول الى المطالبة بانتخابات عامة جديدة ونزيها.

ـ استقالة الحكومة .. واصبح مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء في 7 أيار 2020.. وخطى رئيس الوزراء خطوات جادة لحل العديد من الازمات.. وتحديد موعد اجراء الانتخابات في حزيران 2021.

نستخلص مما تقدم :

إن العملية السياسية الحالية في العراق لا تشكل نظاماً نيابياً حراً.. بل نظاماً مشوهاً.. فهو لا يقيم الديمقراطية الحقيقية أولاً لأنه:

ـ لم يقم على أساس نظام المواطنة.. بل على أساس المكونات.

ـ وجود ميليشيات لكل الكتل السياسية.. فهو ليس نظاماً مدنياً أولاً.

ـ ونظاماً قائماً على القوة العسكرية لهذه الكتل.

ـ لم يستطع تحقيق أهداف الديمقراطية النيابية.. وهي:

1ـ تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة.
2ـ تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي.
3ـ ترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي.
4ـ مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.
5ـ احترام المال العام والمحافظة عليه.
6ـ احترام حقوق الإنسان والمحافظة عليها.
7ـ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
8ـ بطئ كبير في الاعمار.. وانخفاض مستويات التعليم.
9ـ بطالة وصلت لنسبة 30 % من مجموع السكان.
ـ كل ذلك دعا بعض الكتل السياسية الى إقامة النظام الرئاسي.. ليس الهدف منه تحسين أوضاع العراق.. بل للاستحواذ على السلطة بلباس جديد.
ـ إذن ما هو النظام الرئاسي وما هي إيجابيات وسلبياته؟ وهل يفيد العراق في هذه المرحلة ؟؟؟؟؟ هذا ما سنناقشه في الحلقة المقبلة.
______________

(ملاحظة) : انتظروا مقالتنا المقبلة : (النظام الرئاسي.. والعملية السياسية في العراق).