18 ديسمبر، 2024 9:37 م

النظام العالمي: تغييرات حاسمة ناتجة عن تحولات كبرى

النظام العالمي: تغييرات حاسمة ناتجة عن تحولات كبرى

ان منصات الصراع وقواعده ومعاييره، قد تغيرت تماما في العالم وفي المنطقة العربية والجوار العربي، ولا يمكن تطبيق ما كان متعارف عليه في السابق من ادوات الصراع وقواعده، اللتان كانتا سائدتين في الماضي؛ على الحاضر المتحرك بسرعة مذهلة، بل بدوات هذا الحاضر وقواعده ومعاييره. ان كل شيء كبداية، في هذا العالم قد تغير، وهو في تغير مستمر في المقبل من الزمن؛ فقد بدأ حفر خنادق الصراع في الوقت الحاضر، ليتواصل الحفر في الامد المنظور، على الرغم من المقايضات والتسويات والترضيات بين القوى العظمى، على حساب مصالح الشعوب، وربما تأخذ هذه الخنادق شكلها النهائي؛ في السعة، وفي امكنة وجودها، وفي عمقها في الامد المتوسط، اكثر قليلا او اقل قليلا. هناك قوى دولية صاعده، لها ادواتها وتحالفاتها وسياساتها، وقوى دولية اخرى تحاول باي ثمن ووسيلة وطريق؛ تطويق وتحجيم هذا الصعود؛ بأدوات ووسائل الحاضر، اللتان ما عادتا كما كانتا قبل حين من الآن، أي كما كانتا في السابق القريب؛ وايضا هما؛ مفتوحتان، لجهة تطورهما، على المتغير المستقبلي. كان في السابق، في صراع القوى الدولية العظمى، خلال الحرب الباردة، في القرن السابق؛ كان يستخدم في هذا الصراع، الانقلابات او دعم الانقلابات العسكرية للزحف على جرف القوى المنافسة في سلب منطقة من مناطق نفوذها، اما في الوقت الحاضر المفتوح على افاق التطورات المستقبلية، للمتغيرات الحاسمة القادمة؛ فأن هذا الاسلوب محكوم عليه بالفشل، ولو بعد حين، ليس طويلا. و ايضا؛ الغزو والاحتلال المباشر، وهنا المقصود حصريا؛ الولايات المتحدة مع الدعم الغربي، والاتحاد السوفيتي؛ في العراق وافغانستان وبنما وغرينادا وفيتنام وكسلوفاكيا، وغير هذه الدول.. انما هناك أسلوبان، او وسيلتان يظلا فاعلين في المستقبل كما كانا في الماضي، وهما؛ تفجير النزاعات الداخلية، وايضا تكوين كتلة مواليه لهم تتولى زرع البلابل والقلق الامني في البلد المستهدف. ان هذين الاسلوبين سيعتمدان في الوقت الحاضر، وفي المستقبل؛ في المناطق المرشحة للتنازع عليها بين القوى العظمى، وبالذات امريكا وحلفائها مع الثنائي الروسي والصيني. عليه فان صراع القوى العظمى مع بعضها، سوف يكون بأسلوب وطرق مختلفة كليا، عن اساليب وطرق الماضي. كما ان رؤية الشعوب، سواء ما كان منها يتعلق بحقها في الكلمة الحرة والموقف؛ قد تغير لجهة الوعي العميق لحقوقها، التي تتركز إرادتها، في انتاج انظمة الحكم التي تقودها او تحكمها. كما ان القوة العسكرية الجبارة التي تمتلكها هذه القوى الدولية العظمى، لم تعد هي الوحيدة، على اهميتها الكبيرة في تحييد،
أو تحديد تحركات الخصم؛ التي ترسم بصورة حاسمة، رجحان هذه القوة الدولية على تلك القوى الدولية، في السيطرة والتحكم بمناطق النفوذ، والمحافظة على هذا النفوذ، الى زمن معلوم او غير معلوم، بل ان الذي يتحكم بهذا التفوق في ساحات التنافس على المصالح؛ هو الاقتصاد بدرجة اكبر، توليدا وانتاجا وتحكما من القوة العسكرية؛ على قاعدة مغشوشة، تفتقر بالكامل الى صدق النية والمسار والهدف؛ من الاحترام لإرادة الشعوب وكرامتها، وثرواتها، وان عمليات الخداع والغش والكذب واللصوصية، وكسر رقاب الحقائق على الارض؛ باتت مكشوفة للشعوب، وليس بمقدور هذه القوى الدولية العظمى؛ حجبها عن الشعوب، كما في السابق القريب، أو كما في السابق البعيد، أو كما في الحاضر، الذي يحمل بين عناصر حركته، اداة تفجيره والغاءه، ومن ثم القذف به، الى الماضي، أي جعله ماضيا وان كان حاضرا في الواقع الجامد الذي لم يزل يعاند التحولات الكبرى في الوقائع الدولية المتسارعة. ان المعلومة مهما احيط بها من سرية، سيتم كشفها من قبل الخيريين من اصحاب الضمائر الحية من نخب المعرفة والتحليل من ابناء تلك القوى العظمى، ومن ابناء الشعب المستهدف، ولو بعد حين. اضافة الى؛ ان العقل البشري قد تطور تطورا عميقا، حتى صار له اطارا عاما يتحرك فيه، الوعي الانساني العام، المتحسس للظلم وانعدام العدل في العلاقات بين دول، او ان الاصح؛ علاقات الدول العظمى والكبرى مع دول العالم الثالث، وحتى الدول المتوسطة في القوة والقدرة. عليه نلاحظ ان هذه القوى الدولية تأخذ بعين الاعتبار؛ هذه التحولات في تنافسها، على مناطق النفوذ والهيمنة، لجهة ترك هامشا وهميا، لخداع الناس؛ من المساحة للشعوب وكرامتها وحقها في الحياة الحرة والسعيدة والتنمية وما إليهما؛ بوضع اطار عام للتعامل مع دول العالم الثالث، يسوق حقيقة اوهام الهامش اعلاه، ولا يُحمِله مفاعيل هذا الهامش، بالمساهمة في تحريكها في الواقع المعيش، بل يجعل من حركتها في الاطار الاعلامي فقط. بمعنى اخر أكثر دقة وموضوعية؛ يحمل النقيض، في توقيتات متزامنة، وغائية، بعد ان تخضع للفحص والملائمة للواقع، لغرض نجاح تمريرها، على وعي الشعب، بعون من كادر من ابناء الشعب، مؤدلج نفسيا وسياسيا ومصلحيا( بإيجاد او تخليق طبقة من الاوليغارشية، والكومبرادورية..) من هذه القوى العظمى او من تلك القوى العظمى، قبل تسويقها، في الخطاب السياسي الذي يهيأ البيئة السياسية للعمل الاجرائي. هذا يعني في المحصلة النهائية، وباي شكل كان، وبأي صورة كانت من الصور؛ ان القوى الدولية سوف لا تراعي مصالح الشعوب، على حساب المصالح الاستغلالية لها، بل انها ستقوم عند الاجراء؛ تطويعها ومنحها مرونة ومطاطية تكيفية تناسب وتلائم التحولات العالمية الكبرى. انما هذه الألاعيب مصيرها الفشل،

ان كان هناك نظام وطني؛ يدرك ما عليه فعله؛ للمحافظة على حقوق وطنه وشعبه، وايضا المعارضة، ان كانت معارضة وطنية حقيقية؛ ان لا تجعل من نفسها؛ موقفا ورؤية وعمل في الميدان السياسي وما له صلة عضوية به، اجيرة لأي قوى عظمى او كبرى، بل ان تجعل من نفسها، اجيرة لخدمة اهداف الشعب والوطن، وان تعتمد على ذاتها وقدراتها في معارضة النظام، أي نظام كان، تختلف معه، على قاعدة اختيار الاصلح لخدمة الوطن والناس، وايضا؛ على قاعدة انطلاقة ثابتة من حيث المبدأ، ومتغيره على ضوء متغيرات الواقع الدولي والاقليمي، في اطار ذات المبدأ؛ للاستجابة لشروط الواقع، بتبديل الادوات بما يتناسب مع مستجدات الواقع المتحرك على الارض؛ لحماية مصالح الشعب في الحياة والتطور، او على اجبار النظام تعديل مساره، نحو الاحسن والافضل، ان كان لا يرتبط مصيريا بالعامل الدولي والاقليمي، او اجباره على فك ارتباطه بالعامل الدولي او الاقليمي، ان كان مرتبطا به مصيريا، بالدعم والاسناد له، ولبقائه بثمن باهض، على حساب مصالح الشعب والبلد الاستراتيجية؛ بإسقاطه، بثورة الشعب، بكشف المستور والمضموم في ادراج، هذا النظام او ذاك النظام، من ارتباطات، وما اكثرها في دول المنطقة العربية.
ان الكثير من الانظمة والشعوب في العالم قد ادركوا، انظمة ومعارضة؛ حقائق هذه المتغيرات في الكرة الارضية، على ارض الواقع؛ لذا نراهم، معارضة وحكومة؛ يلجئون الى الحوار والنقاش حين تظهر خلاف حول مشكلة ما؛ لأنضاج حل وسط لها، او حل يحفظ للوطن والشعب معا، كرامتهما، ويؤسس قاعدة صلبة للحوار حول قضايا الوطن والشعب، وليس التناحر بالحراب لهزيمة الاخر بالاعتماد على الدعم والعون الاجنبي؛ مما يقود كنتيجة حتمية الى تقليص مساحة التدخل الاجنبي، ويحاصر كادره البشري واداوته الأخرى، في المفاعيل السياسية، في فضاءات الحوارات البناءة بين النظام والمعارضة. اعتقد ان هذه الرؤية موجودة في حدود ما، وبدرجة معينة ومقبولة في بعض دول العالم الثالث، في جنوب شرق اسيا، وفي جنوب غربها، وفي المحيط الهندي والهاديء، اللذان على سواحليهما؛ دول كبرى في الاقتصاد والتكنولوجيا، والديمقراطية فيها، راسخة ومتجذرة (اللذان هما الآن، محور الصراع التنافسي، بين العملاقين الاقتصاديين، امريكا والصين) وفي مناطق اخرى من كوكب الارض، التي عرفت وفهمت في وقت مبكر؛ هذه التحولات المتسارعة في عالم الامس القريب، وعالم اليوم الحاضر، وعالم الغد المرتقب.. لتتجه بفعلها السياسي وغيره.. الى العوامل الخارجية لكبح جماح تدخلها في الشأن الداخلي، بخطط واجراءات منتجة للأفعال على الارض، تقود الى تثبيت انظمتها تثبيتا قويا غير قابل للهدم؛ بسد ثغرات تدخل العامل الخارجي، وتثبيت قوى المعارضة تثبيتا لا يقل قوة وثبات عن النظام في دورة تنافسية خلاقة على مسارات التنمية والوطن الحر والمستقل، وذو سيادة كاملة غير منقوصة؛ يجللها شعب مرفه، يساهم مساهمة فعالة، في دورة الاقتصاد؛ ابتكارا، وتطويرا، وانتاجا، ومحفوظ الكرامة بحقه باختيار من يحكمه. يبقى السؤال المهم والخطير هنا؛ هل النظام الرسمي العربي، قد ادرك هذه التحولات الكبرى في عالم اليوم الذي يتحرك بقوة وبسرعة نحو المستقبل؟ لا اعتقد من خلال السياسات العربية المتبعة في الوقت الحاضر؛ ان هذا قد حصل او هو حاصل، بل ان ما هو حاصل على عكس ما مفترض بهذه السياسة ان تكون عليه، تماشيا مع المتغيرات الكبرى في عالم اليوم؛ لخدمة مستقبل الاوطان العربية والشعوب العربية، وفي المقدمة حق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة. من نافلة القول، وفي هذا المجال؛ اقول ان النظام العالمي الحالي في الطريق الى الانهيار، بعد ان استنفد اسس وجوده بعد الحرب العالمية الثانية. وهناك في الافق.. نظام عالمي سيحل محله، عاجلا او اجلا، وان امريكا لم تعد كما كانت قبل عقدين، وان الكيان الاسرائيلي يتمزق من الداخل، ويعاني الآن وسوف يعاني مستقبلا من مسألة وجودية او صراع وجودي، لجهة النمو الديموغرافي، او الفارق الكبير في هذا النمو والذي سيكون حاسما في هذا الصراع الوجودي، بين هذا الكيان والشعب الفلسطيني، الذي يجاهد ويقاتل من اجل الحياة الحرة والكريمة في دولة ذات سيادة.. وهذا هو ما يفسر السعي المسعور والمحموم من امريكا والكيان الاسرائيلي، وبمساعدة من دول عظمى.. تتحرك في مساحة من الظل في عملية التطبيع.. ليكون في النهاية مركزا صناعيا واقتصاديا وتجاريا وماليا، حتى يشكل بهذا قطبا مغناطيسيا جذابا ليهود المعمورة؛ لترجيح كفته او جعلها موازنة للنمو الديموغرافي الفلسطيني. هذا من جهة، اما من الجهة الثانية، وهي لا تقل خطورة عن الاولى؛ وهي إيجاد مناطق صناعية، او مدن فيها جميع عناصر ومكونات الحضارة والتطور على حدود فلسطين، او على مقربة منها، بهدف تقليل، الى درجة كبيرة، تأثير العامل الديموغرافي ببعديها النضالي والوجودي على الكيان الاسرائيلي. عليه فان الانظمة العربية المطبعة او التي هي في طريق هذا التطبيع؛ ترتكب جريمة تاريخية بحق الشعوب العربية والاوطان العربية، وفي المقدمة الشعب الفلسطيني المجاهد دوما وابدا، وسيظل على ما هو عليه مهما تكالبت عليه عاديات الدهر..