لقد مثلت احداث عام ٢٠٠٣ والاطاحة بنظام البعث ، وما تلاها من تشكيل مجلس الحكم الانتقالي بإدارة الحاكم الامريكي بول بريمر حالة الانتقال من الحزب الواحد الى التعددية الحزبية في تاريخ الدولة العراقية بعد حكم دام اربع عقود من تسلط الحزب الواحد والشخص الواحد ، لتبدأ مرحلة تشكيل الأحزاب سواء داخلياً او التي جاءت بالتزامن مع الإطاحة بنظام حزب البعث .
عملت الأحزاب منذ تلك الفترة عملاً فوضوياً، وساهم عدم وجود قانون ينظم عمل هذه الأحزاب في هذه الفوضى، بل لم تبادر حتى الأحزاب الكبيرة الى وضع قانون لها ، بل سعت الى التخندق طائفياً وقوميات ، وسط غياب دور الدولة ، ومنذ ذلك الوقت تتنافس هذه الأحزاب فيما بينها وتتصارع على مستوى تمثيلها وتمثيل طوائفها بعيداً عن اي رؤية في بناء الدولة المؤسساتية والتي اجمعوا جميعهم على بناءها ، فاجتمعت المكونات السنية جميعها تحت يافطة المكون السني ، فيما تخندق المكون الكردي داخل قوميته ، فيما وجد المكون الشيعي نفسه يسير بنفس الاتجاه الطائفي وتأسيس الكتلة الشيعية والدخول وخوض المنافسة الانتخابية بثلاث اقطاب ( السنة، الشيعة ، الأكراد ) وليكون الهدف هو مدى تمثيل هذا المكون او تلك الطائفة بشكل عام دون وجود مشروع ورؤية لبناء احزاب فنرى ذلك واضحاً من خلال وضوح السمة الحزبية اكثر من وضوح سمة الدولة وسيادتها ونظامها الدستوري .
الساحة السياسية شهدت خلال الفترة الماضية انقساماً حاداً خصوصاً في داخل القوى السنية والشيعية لحقها فيما بعد المكون الكردي الذي عانى انقسامات واضحاً ، ودخول التيار الاسلامي الذي اثر بشكل إيجابي على الخارطة السياسية الكردية ، حيث عانت تلك المكونات صراعاً قوياً من اجل السلطة ، خصوصا في انتخابات ٢٠١٠ اذ لم تستطع التنظيمات السياسية الدخول في ائتلاف واحد ، خصوصاً بعد كثرة القوائم المشاركة فيها ، مما ساهم في ازدياد الانقسامات في الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد ، الامر الذي ساهم كثيرا في أضعاف الدولة ، وتأسيس موسسات دستورية قادرة على النهوض بواقع البلاد ، والتي كانت بسبب صراع تلك الأحزاب من اجل الثروة والسلطة ، وشيوع الفوضى السياسية في ظل غياب قانون يحكم وينظم عمل الأحزاب مع تعطيل كامل للدستور واعتماد سياسة التوافق في ادارة الدولة ، مما أفقدها اي عنصر للقوة
وأصبحت ضعيفة غير قادرة على النهوض بواقع هزيل واقتصاد منهار ، وأمن مفقود ، وضعف المؤسسات الدستورية في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الدولة ، مما خلّف بيئة سياسية فاسدة وغير صالحة لبناء اي كيان مؤسساتي ، والذي ألقى بضلاله على بنية المجتمع العراقي ، من خلال تشتت المواقف بين المكونات السياسية سواءً على الصعيد السياسي او الاجتماعي ، او حتى على صعيد مواجهة خطر داعش .
هذا الانقسام ساهم بانهيار الدولة وغياب مفهومها القانوني والدستوري ، وفشل منظومتها الإدارية ، مما ساهم في استشراء الفساد في جميع موسسات الدولة المفترضة ، لهذا وامام كل ما طرح كان الاولى بالأحزاب الرئيسية الإعلان عن برنامجها السياسي ، وذوبان الأحزاب الصغيرة في داخل هذه الأحزاب ، كما ان على الدولة ان تكون اعلى من مستوى الأحزاب وان تعمل على بناء منظومة ادارية تحمي مؤسساتها الدستورية وتكسر ضغط الأحزاب وتاثيرها المباشر على كيانها الداخلي وقرارها السياسي .