مع احتدام الاوضاع المأساوية الراهنة التي يعيشها العراق تحت وطأة الهجمات الوحشية، والتي تمارسها شراذم المدعين بالدين الاسلامي ، تلتهب الديمقراطية بنيران التطرف الطائفي، الذي كان ومايزال المحور الاساسي الذي تتمحور حوله المشكلات الاساسية لانهيار الوضع الامني في العراق، دون الاخذ بالتداعيات والعواقب الوخيمة لتلك الانهيارات على واقعه الدولي والاقتصادي والاجتماعي بين دول العالم او بين ابناء شعبه.
فبعد ان استقلت الديمقراطية قارب الاصوات المؤيدة لها من قبل الشعب والمتمثلة بالنظام البرلماني، وابحرت وسع بحر الطمأنينة والسلام، أملا في الوصول الى ميناء التحرر والامان، يتزعزع القارب من جديد جراء ماترفس به اقدام الديكتاتورية الاستبدادية المتعطشة للهيمنة على مقدرات البلد ونهب ثرواته وميزانياته بما يجرف البلد نحو تيارات الانهيار ، وكذلك تعزيز النعرة الطائفية لمتزيق وحدة العراق ونسيجه الاجتماعي، للحيلولة دون الوصول الى بر الامان الذي صدحت به حناجر عراقية بحته، ونال العراق من اجله جراحات والام ودموع طوال السنوات الماضية ، وكانت حصيلة تلك السنوات اصوات استغاثت الحرية والديمقراطية هدفا منشودا امام مرأى الضمائر قبل العيون.
ومن ناحية اخرى ووسط هذه الدوامة، تتعالى اصوات العض لاستبدال النظام البرلماني بنظام رئاسي مخالف لما اقره الدستور، والادهى من ذلك ان المنادين بهذا القرار هم انفسهم من اصر على تمرير هذا الدستور بصيغته البرلمانية.
فمما سبق يتجلى لنا وبكل وضوح ان التناقض في اراء ومعطيات هؤلاء يتوافق مع مصالحهم الشخصية والفئوية، التي غلبت مصالح الشعب ومتطلباته، من خلال ماتكن دواخلهم من حب الهيمنة على مؤسسات الدولة، بعد ان تبنوا الفساد في المنظومة العسكرية حتى دفع العراق جرائها ثلث مساحته لصالح الارهاب، وادى الى نزوح نحو ثلاثة ملايين مواطن في سابقة هي الاولى في تاريخ العراق الحديث.
وبما ان لمفهوم النظام الرئاسي من ميزة ايجابية تتلخص بوحدة السيادة والتمسك بزمام الامور الريادية من قبل شخص واحد يمتلك الضمير النابض بالانسانية والعدالة السماوية، الا ان مفهومه في العراق بات واضحا لما تسعى اليه كفوف ملوثة بتاريخها الطويل، لنسف الشراكة الوطنية التي تعتبر النموذج الحي لتلبية حقوق الجميع دون استثناء او تهميش.
ولاسيما ان العراق بلد احتضن مختلف الاديان والطوائف بنبض واحد، لذلك فإن المطالبة بالنظام الرئاسي لم يكن ضمن دراسة عميقة ومجدية لتغيير الواقع والنهوض به، وهو لا يلبي طموحات كل هذه الاعراق، لكن الكل يفهم انها محاولة لاعادة السراق والفاسدين، الذين يلجأون الى التلاعب بنظام بلد باكمله من اجل غاية في انفسهم الدنيئة.
ولكن فليعلم هؤلاء بان هذا القرار لاياتي من فراغ وان زمام الامور بيد من لهم الحق في البت به او مصادقته وهم الشعب، فهو من يقرر مصيره، وليعلموا أن قاربهم الذي استقلوه عنوة وتسلطا لايوصلهم الى مطامعهم واهدافهم، لان ماأستقلوه هو قارب من ورق، وان قارب الديمقراطية هو من سيعتلي هوجاء الامواج المتعالية لانه الحق الذي تحفه رعاية الله وحفظه.