22 نوفمبر، 2024 9:35 ص
Search
Close this search box.

النظام الرئاسي في العراق .. سبيل نجاة

النظام الرئاسي في العراق .. سبيل نجاة

مع سقوط نظام حزب البعث في العراق اثر الغزو الامريكي للبلاد في ربيع العام 2003 م , شكل الامريكيين حكومة مؤقتة برئاسة السفير الامريكي بول بريمر ” سلطة الائتلاف المؤقتة ” , بريمر كان الحاكم الاوحد في البلاد حتى مع وجود مجلس حكم صوري حكم البلاد فترة قصيرة لتُشكل بعده حكومة عراقية ” حكومة علاوي ” مهدت الطريق لصياغة دستور جديد للبلاد بمعية حكام اليوم معارضي الامس الذين جاءوا مع دخول المحتلين الغزاة آنذاك .
في خضم هذه الاحداث و المتغيرات كان للمحتلين الأمريكيين مخاوفهم العميقة من استمرار النظام السياسي في العراق بصيغته الرئاسية لما رأوه في تجربة الرئيس الاسبق صدام حسين ابان حكمه للبلاد حيث وضعت كل السلطات بجعبته , و اخذ من الحكم التنفيذي و التشريعي , و القضائي , و تحكم بها كيف ما يشاء , و وفق اهوائه من قتل و اعدامات , و مجازر و تفشي للفساد الاداري , و دون محاسبة و رقابة بسبب سلب ادوار كل السلطات ، فكانت مخاوفهم من اتيان بدكتاتور آخر للحكم الاثر الابرز في التوجه نحو النظام البرلماني ” لهذا الخيار ما له و عليه ما عليه في دولة كالعراق و لشعب كشعب العراق ” .
أرادت الولايات المتحدة الامريكية ان تغير من هذا النمط من الحكم و تجمع كافة الاطراف تحت مظلة حكومة عراقية مشتركة تقودها الشراكة الوطنية , و بنظام برلماني في الحكم , و كل حسب استحقاقه الانتخابي الذي استحصله من صناديق الانتخاب .
لكن في الواقع و بعد تشكيل الحكومة العراقية قد راينا الغير لما رأيناه من ويلات المحاصصة و عدم تقديم الخدمات بسبب انشغال الاحزاب بصراعاتهم بالمناصب و ادخال البلد بالتجزئة من الهرم السلطوي لآخر مفصل اداري , و هذا قد غيب الكفاءة العراقية المستقلة , و كذلك الغى دور المعارضة الحقيقية للبرلمان و الرقابة التي يقوم بها بسبب كل الممثلين البرلمانين لهم ممثلين في التشكيلة الوزارية و بالتالي خشية هؤلاء من تضارب مصالحهم مع الحزب الاخر ستمنعهم من كشف فسادهم او مراقبتهم و هذه هي عيوب النظام البرلماني الذي لم يقدم شيء للمواطنين الذين كانوا ينتظرون لمحة امل مع غياب الدكتاتورية لكن تلاشت تلك الآمال .
بعد ذلك سعت بعض الشخصيات و الاحزاب المشتركة في العمل السياسي في الضغط باتجاه إعادة صياغة النظام و جعله رئاسي و دافعوا عنه لكونه يلغي المحاصصة الحزبية المقيتة و يفعل دور المعارضة في البرلمان و رقابتهم و يجذب الكفاءة العراقية للسلطة من خلال اتيان الحزب الفائز بالسلطة بالكفاءات من اجل انجاح حكومته و تقليل المناصب الحكومية الرضائية للأحزاب و تقليل الفساد و هذا ما شجع المجتمع بالتعاطف مع هذا المطلب رويدا رويدا و اخذت تدافع عنه بضراوة لما رات فيه مصالحهم الاساسية من الخدمات . للأسف هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح لغاية الان رغم ادارك قسم كبير من النخب السياسية و الثقافية و حتى الشعبية لأهمية هذا الخيار الذي اراه سبيل نجاتنا الاول في رحلتنا نحو الاصلاح و التقدم و الازدهار . أأمل ان نمتلك الارادة و العزيمة اللازمتين لتحقيق ذلك قريبا .
إن الانتقال الى النظام الرئاسي و تشكيل حكومة الاغلبية النيابية ضرورة سياسية و اطلاح جوهري لمفاهيم الدولة و المواطنة و النهضة العراقية المأمولة و لذلك سأحرص على تبيان أبرز أشكال الحكم السياسي الديمقراطي المدني ، و هما البرلماني و الرئاسي لنتعمق جيدا في خصائص كلا النظامين .
ففي النظام البرلماني ، يتم التصويت للأحزاب السياسية فيه ، بالاقتراع العام و السرّي ، و غير المباشر ، و تقع على الحزب الفائز بأغلبية بسيطة ، كانت أم واسعة ، مسؤولية تعيين مرشح لرئاسة السلطة التنفيذية ، و تتم هذه العملية في وقت قصير نسبياً و ضمن آليات مؤسسية واضحة و غير معقدة و فقط يتطلب بعض الوقت الإضافي في حالة حدوث نتائج انتخابية متقاربة ، بين قوتين سياسيتين رئيسيتين أو ثلاث ، لتشكيل حكومة ائتلافية .
كما أن رئيس الدولة ، ملكية كانت أم جمهورية في هذا النظام ، ليس لديه مسؤولية تنفيذية أو تشريعية ، و تقتصر مهامه على ممارسة دور حيادي ، بين القوى السياسية ، و مؤسسات الدولة بشكلٍ عام ، و تحقيق أكبر قدر من التوازن بينها ، و لا يتدخل في نزاعاتها ، و لا ينحاز لأية قوة منها ، و إن كان قد حظي بدعم بعضها في ترشيحه و تنصيبه .
أمّا النظام الرئاسي ، ففيه يتم التصويت فيه ، لمرشحين أثنين أو ثلاثة ، و بالاقتراع العام و السري و المباشر ، إذ يتم اختيار رئيس الدولة بشكلٍ مباشر من قبل المواطنين ، و يتميز بسهولة النظام الانتخابي ، و عملية عدّ و فرز الأصوات فيه ، كون المنافسة تتم بين مرشحين أو ثلاثة ، لا أكثر .
كما يتضمن النظام الرئاسي انتخابات نيابية ، لاختيار مجلس نيابي يمثّل أعضائه السلطة التشريعية لدورات حكم ، مدتها أربع أو خمس سنوات ، بشكلٍ غير مرتبط بفترة حكم الرئيس ، أو بحجم تمثيل القوى السياسية المؤيدة أو المعارضة له في البرلمان ، الأمر الذي يسمح بالمزيد من الممارسة الديمقراطية في المناقشات التشريعية ، و مراقبة رئيس السلطة التنفيذية .
في النظام الرئاسي يتحمل رئيس الدولة ، مسؤولية منصبه أمام الشعب و البرلمان ، و يمارس مهامه ، بتأييد مطلق من قبل أغلبية الشعب ، كرئيس الدولة ، و كرئيس وزراء ، و هو المسؤول الأول في تعيين الوزراء و إقالتهم ، الأمر الذي يوفر قدراً واسعاً من الاستقرار السياسي الداخلي اللازم ، لممارسة الحكم ، و تنفيذ مهام و مسؤوليات كافة ، مؤسسات الدولة بشكلٍ فعال .

أحدث المقالات