مع سقوط نظام حزب البعث في العراق اثر الغزو الامريكي للبلاد في ربيع العام 2003 م , شكل الامريكيين حكومة مؤقتة برئاسة السفير الامريكي بول بريمر ” سلطة الائتلاف المؤقتة ” , بريمر كان الحاكم الاوحد في البلاد حتى مع وجود مجلس حكم صوري حكم البلاد فترة قصيرة لتُشكل بعده حكومة عراقية ” حكومة علاوي ” مهدت الطريق لصياغة دستور جديد للبلاد بمعية حكام اليوم معارضي الامس الذين جاءوا مع دخول المحتلين الغزاة آنذاك .
في خضم هذه الاحداث و المتغيرات كان للمحتلين الأمريكيين مخاوفهم العميقة من استمرار النظام السياسي في العراق بصيغته الرئاسية لما رأوه في تجربة الرئيس الاسبق صدام حسين ابان حكمه للبلاد حيث وضعت كل السلطات بجعبته , و اخذ من الحكم التنفيذي و التشريعي , و القضائي , و تحكم بها كيف ما يشاء , و وفق اهوائه من قتل و اعدامات , و مجازر و تفشي للفساد الاداري , و دون محاسبة و رقابة بسبب سلب ادوار كل السلطات ، فكانت مخاوفهم من اتيان بدكتاتور آخر للحكم الاثر الابرز في التوجه نحو النظام البرلماني ” لهذا الخيار ما له و عليه ما عليه في دولة كالعراق و لشعب كشعب العراق ” .
أرادت الولايات المتحدة الامريكية ان تغير من هذا النمط من الحكم و تجمع كافة الاطراف تحت مظلة حكومة عراقية مشتركة تقودها الشراكة الوطنية , و بنظام برلماني في الحكم , و كل حسب استحقاقه الانتخابي الذي استحصله من صناديق الانتخاب .
لكن في الواقع و بعد تشكيل الحكومة العراقية قد راينا الغير لما رأيناه من ويلات المحاصصة و عدم تقديم الخدمات بسبب انشغال الاحزاب بصراعاتهم بالمناصب و ادخال البلد بالتجزئة من الهرم السلطوي لآخر مفصل اداري , و هذا قد غيب الكفاءة العراقية المستقلة , و كذلك الغى دور المعارضة الحقيقية للبرلمان و الرقابة التي يقوم بها بسبب كل الممثلين البرلمانين لهم ممثلين في التشكيلة الوزارية و بالتالي خشية هؤلاء من تضارب مصالحهم مع الحزب الاخر ستمنعهم من كشف فسادهم او مراقبتهم و هذه هي عيوب النظام البرلماني الذي لم يقدم شيء للمواطنين الذين كانوا ينتظرون لمحة امل مع غياب الدكتاتورية لكن تلاشت تلك الآمال .
بعد ذلك سعت بعض الشخصيات و الاحزاب المشتركة في العمل السياسي في الضغط باتجاه إعادة صياغة النظام و جعله رئاسي و دافعوا عنه لكونه يلغي المحاصصة الحزبية المقيتة و يفعل دور المعارضة في البرلمان و رقابتهم و يجذب الكفاءة العراقية للسلطة من خلال اتيان الحزب الفائز بالسلطة بالكفاءات من اجل انجاح حكومته و تقليل المناصب الحكومية الرضائية للأحزاب و تقليل الفساد و هذا ما شجع المجتمع بالتعاطف مع هذا المطلب رويدا رويدا و اخذت تدافع عنه بضراوة لما رات فيه مصالحهم الاساسية من الخدمات . للأسف هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح لغاية الان رغم ادارك قسم كبير من النخب السياسية و الثقافية و حتى الشعبية لأهمية هذا الخيار الذي اراه سبيل نجاتنا الاول في رحلتنا نحو الاصلاح و التقدم و الازدهار . أأمل ان نمتلك الارادة و العزيمة اللازمتين لتحقيق ذلك قريبا .
إن الانتقال الى النظام الرئاسي و تشكيل حكومة الاغلبية النيابية ضرورة سياسية و اطلاح جوهري لمفاهيم الدولة و المواطنة و النهضة العراقية المأمولة و لذلك سأحرص على تبيان أبرز أشكال الحكم السياسي الديمقراطي المدني ، و هما البرلماني و الرئاسي لنتعمق جيدا في خصائص كلا النظامين .
ففي النظام البرلماني ، يتم التصويت للأحزاب السياسية فيه ، بالاقتراع العام و السرّي ، و غير المباشر ، و تقع على الحزب الفائز بأغلبية بسيطة ، كانت أم واسعة ، مسؤولية تعيين مرشح لرئاسة السلطة التنفيذية ، و تتم هذه العملية في وقت قصير نسبياً و ضمن آليات مؤسسية واضحة و غير معقدة و فقط يتطلب بعض الوقت الإضافي في حالة حدوث نتائج انتخابية متقاربة ، بين قوتين سياسيتين رئيسيتين أو ثلاث ، لتشكيل حكومة ائتلافية .
كما أن رئيس الدولة ، ملكية كانت أم جمهورية في هذا النظام ، ليس لديه مسؤولية تنفيذية أو تشريعية ، و تقتصر مهامه على ممارسة دور حيادي ، بين القوى السياسية ، و مؤسسات الدولة بشكلٍ عام ، و تحقيق أكبر قدر من التوازن بينها ، و لا يتدخل في نزاعاتها ، و لا ينحاز لأية قوة منها ، و إن كان قد حظي بدعم بعضها في ترشيحه و تنصيبه .
أمّا النظام الرئاسي ، ففيه يتم التصويت فيه ، لمرشحين أثنين أو ثلاثة ، و بالاقتراع العام و السري و المباشر ، إذ يتم اختيار رئيس الدولة بشكلٍ مباشر من قبل المواطنين ، و يتميز بسهولة النظام الانتخابي ، و عملية عدّ و فرز الأصوات فيه ، كون المنافسة تتم بين مرشحين أو ثلاثة ، لا أكثر .
كما يتضمن النظام الرئاسي انتخابات نيابية ، لاختيار مجلس نيابي يمثّل أعضائه السلطة التشريعية لدورات حكم ، مدتها أربع أو خمس سنوات ، بشكلٍ غير مرتبط بفترة حكم الرئيس ، أو بحجم تمثيل القوى السياسية المؤيدة أو المعارضة له في البرلمان ، الأمر الذي يسمح بالمزيد من الممارسة الديمقراطية في المناقشات التشريعية ، و مراقبة رئيس السلطة التنفيذية .
في النظام الرئاسي يتحمل رئيس الدولة ، مسؤولية منصبه أمام الشعب و البرلمان ، و يمارس مهامه ، بتأييد مطلق من قبل أغلبية الشعب ، كرئيس الدولة ، و كرئيس وزراء ، و هو المسؤول الأول في تعيين الوزراء و إقالتهم ، الأمر الذي يوفر قدراً واسعاً من الاستقرار السياسي الداخلي اللازم ، لممارسة الحكم ، و تنفيذ مهام و مسؤوليات كافة ، مؤسسات الدولة بشكلٍ فعال .