17 نوفمبر، 2024 2:05 م
Search
Close this search box.

النظافة لم تُعدّ من الإيمان!

النظافة لم تُعدّ من الإيمان!

ما عاد العراقي تستفزّه مشاهد النفايات، حتى لو تكدّست عند بابه. إنه يبدو متآلفاً ومتوافقاً ومتعايشاً معها على نحو غير مسبوق ولا مثيل له في أي بلاد أخرى، كما لو أنها من لوازم الحياة اليومية وشروطها.
والنفايات في العراق نوعان، الأول هو الأزبال الناشئة عن الاستهلاك المنزلي ومخلّفات الأعمال في الاسواق المتصلة أكوامها ومتفرقاتها على طول الشوارع والدرابين والساحات، وهذا نوع خطِر على الصحة العامة والبيئة . أما النوع الثاني فخطره عام شامل يتعدى خطره الصحة العامة والبيئة الى الاقتصاد بفروعه المختلفة والخدمات العامة الأساس، كالكهرباء ومياه الشرب والتعليم والصرف الصحي .. إلخ… إنها النفايات السياسية التي يزدحم بها الشارع السياسي – الحزبي ومؤسسات الدولة، من البرلمان والحكومة الى أدنى دائرة في الجهاز البيروقراطي للدولة.
لا يبدو أنّ لمشكلة أزبال الشوارع حلّاً، مثلما لا يلوح في الأفق أمل بحلّ سائر المشاكل البنيوية التي يعاني منها المجتمع والدولة في العراق. ولهذا علاقة وثيقة بالنوع الثاني من النفايات، فالفساد السياسي والإداري والمالي لا يُبقي على شيء من موازنات الدولة لتأمين الخدمات العامة وإنْ بأدنى مستوى، بما فيها خدمة رفع الأزبال من الشوارع والدرابين والساحات.
يومَ ظهر رئيس الوزراء حيدر العبادي على التلفزيون، منذ أيام قلائل، عاملاً بهمّة على مكنسة، مشاركاً كنّاسي الشوارع والمتطوعين في رفع النفايات المتخلّفة عن زيارة الأربعين في مدينة كربلاء، قلنا: يا الله، جاء الفرج أخيراً وسنشهد حملة وطنية لتنظيف الشوارع والساحات من النفايات التي تضرّ بالصحة والبيئة، بل إنّ البعض منّا جمح به الخيال كثيراً ليرى السيد العبادي في صورة حامل مكنسة بحجم العراق (مكنسة دستوريّة) لتنظيفه من النفايات السياسيّة والإداريّة.
في اليوم التالي ليوم المكنسة، تبيّن للجميع أننا كنّا في الواقع أمام مشهد استعراضي، فما من شارع أو دربونة أو ساحة قد تنظّفت، وما من مسؤول حكومي أو حزبي قد تأثّر بـ “مبادرة” رئيس الوزراء. أغلب الظنّ أنّ المسؤولين الحكوميين والسياسيين ومرافقيهم وحرسهم استأنفوا في ذلك اليوم، التالي، عادتهم المتأصلة برمي الازبال في الشوارع والساحات (لم يعد أحد منهم يعيش في الدرابين ومدن الصفيح، كما كان عليه معظم المسؤولين في دولتنا والاحزاب السياسية المتحكّمة بها). بغداد تقدّم مثالاً ناصعاً على هذا الحكم، فاليوم (الخامس عشر من تشرين الثاني) هو يوم بغداد، ولم نرَ في الأيام الماضية ما يشير الى أنّ أمانة بغداد عازمة على تحويل ما قام به السيد العبادي في كربلاء إلى “مبادرة وطنيّة” للنظافة تنطلق من العاصمة المتحوّلة إلى “مكبّ وطني للنفايات”، ولا أظنّ أنّ الأمانة ستفعلها هذا اليوم.
العراقي لم تعد تستفزّه النفايات، كما افتتحتُ عمودي هذا، حتى لو كان هذا العراقي سيّدة أنيقة تتولّى أمانة بغداد!… فيا لنحس حظّ بغداد والعراق بأجمعه ويا لسوء طالعهما في عهد الإسلام السياسي الذي ما عاد شعاره: “النظافة من الإيمان”!

أحدث المقالات