قالت طريفة الخير : قائدة الهجرة العربية ألآولى في التاريخ : من أراد كثرة ألآرزاق , والثياب الرقاق , والخيل العتاق , فعليه بالعراق
عندما نراجع تراثنا الثقافي نجده زاخرا وحافلا بالتأكيد على ” الطهور والطهارة , والتطيب , والزينة , والجمال , حتى عد جمال الخلق نظافة
وللطهور والطهارة : شرع الوضوء , وغسل الجنابة , وغسل النفاس , وغسل الميت ,وغسل اليدين للطعام , ولذلك قال رسول الله “ص” : أذا أغتسل أحدكم بماء جار خمس مرات باليوم , أيبقى على جسده درن ” أي وسخ ” قالوا : لا يارسول الله , قال “ص” فأن صلاة أحدكم خمس مرات باليوم تحت الذنوب كما يحت الماء الدرن عن الجسد .
وكان الرسول “ص” يقول : بئس الرجل القاذورة , وكان “ص” يقول : أكنسوا فناء بيوتكم ولا تتشبهوا باليهود ؟
فأين نحن في العراق اليوم من تلك الوصايا , ومن تلك المفاهيم ؟
أن شوارعنا وساحاتنا تزدحم بالقمامة وألآوساخ , ومجاري الصرف طافحة وروائحها تزكم ألآنوف , ومنظرها يكشف كسلنا وترهلنا , وأنعدام ذوقنا بالنظافة , مما يجعل العقلاء يقول على وساختنا ” ياحسافة ” ؟ وهذا مظهر مخجل ومعيب , مما لايحق للمثقف أن يكتب عن أشياء كثيرة وينسى أهمال النظافة , ولايحق لخطيب المسجد وراهب الكنيسة أن يعظوا المصلين , ويبينوا لهم معالم ألآخلاق وألآلتزام , ويدعوهم لعبادة الرب , ولايدعوهم للآلتزام بنظافة الشارع والبيت والمدرسة والمرافق العامة ؟
ولايحق للسياسي والمسؤول في الحكومة أن يناقش : ألآستثمار , ويتكلم عن الفساد وألآمن , ولايتكلم في نظافة اليد واللسان والثياب , ونظافة مؤسسات الدولة ودوائرها التي أصبحت مناظرها مقززة , لاسيما دورات المياه , والمرافق الصحية التي لم تعد صحية , وأنما أصبحت بؤرا للتلوث , ونشر القذارة والنجاسة التي أصبحت عارا على أهل السياسة ؟
أن من يمشي في الشارع ويبصق أنما يبصق على نفسه , ومن يرمي المحارم المستعملة وأعقاب السيجائر وقشور الموز والفاكهة في الطرقات , وفي غرف الدوائر والبيوت , وفي عربات القطار والسيارات , والفنادق , والمحلات العامة , والمنتزهات , أنما هوجاهل و عدو للبيئة , وللوطن , وللجمال , والذوق , وللنظافة , وفوق كل هذا من يفعل ذلك : هو بعيد عن الدين , وأن صام وصلى وحج , وهو عدو للثقافة , وأن أنتمى للآحزاب وعمل في السياسة , وحصل على الشهادات الجامعية , ولبس أغلى الثياب من أخر مودة ؟
أن النظافة : تربية وتعليم لآنها معرفة تنشأ مع ألآنسان من صغره في البيت وألآسرة , وفي المدرسة , والجامعة , والحوزة , وفي المجتمع , لتتحول الى سلوك يومي , ووعي ثقافي بكل مفردات الحياة , بدءا من تعلم طريقة ألآكل والشراب , الى تعلم طريقة اللباس , وطريقة الوقاية من ألآمراض , الى تعلم أداب المخاطبة والجلوس , وأداب التعامل مع الناس , وأداب الظهور بالمظهر الائق , قال تعالى : ” خذوا زينتكم عند كل مسجد ” وقال تعالى :” ولباس التقوى ذلك خير ” والحديث عن لباس التقوى أنما يعني ضمنا التأكيد وألآهتمام باللباس ونظافته , ولذلك قال الرسول “ص” : ألآعتناء بالهندام مجاملة للناس ” ومن ألطاف النبوة وحكمتها في مجال النظافة والجمال نتعلم أشياء كثيرة , فقد رأى ” ص” أمراة تزور أحدى زوجات النبي “ص” , والمرأة كانت رثة الثياب , فطلب “ص” من زوجته أن تسأل المرأة عن سبب رثة ملابسها , وعندما سألتها زوجة النبي “ص” عرفت أن زوج المرأة قد هجرها , فبعث وراءه النبي “ص” ووعظة ونصحة بضرورة ألآهتمام بزوجته , لآ نه “ص” كان يقول : أحسنكم أحسنكم لعياله , ويقول “ص” عن نفسه الكريمة : وأنا أحسنكم لعيالي ” وأستجاب الرجل المسلم لموعظة رسول الله “ص” وراجع زوجته وأهتم بها , وعندما جاءت المرأة لزيارة زوجة رسول الله “ص” ثانية , كانت على قدر حسن من الثياب , فعندما سألتها زوجة النبي “ص” عن تغيير حالها الى ألآحسن , قالت المرأة بأدب : أصابنا ما أصاب الناس ” ؟
وألآهتمام الذي أبداه الرسول تجاه ملابس أمرأة من عامة المسلمين , هو تعبير عن الرعاية لشؤون المسلمين الخاصة والعامة , فالنظافة وحسن المظهر سلوك عبادي , وهو من حسن الخلق , وحسن الخلق من علامات الرجل الصالح والمرأة الصالحة , والى ذلك كانت تشير الروايات المنقولة عن رسول الله أهتمامه وتأكيده على حسن الكلام , ونظافة اللسان بأعتبارها الجمال الباطني , والمظهر في الشكل واللباس والنظافة العامة هي المظهر الخارجي , ومن هنا يعتبر أنعدام النظافة في المظهر الخارجي دليلا على نقص الجمال في المحتوى الداخلي أي الباطني , وهذا من مؤشرات عدم قبول ألآعمال , وأن أكثر صاحبها من الصلاة والصوم والحج , والحديث : نوم على يقين خير من صلاة في شك “
أن عدم ألآهتمام بالنظافة هي مخالفة للذوق والقانون والنظام العام , وهي مخالفة للشريعة ” ليس منا من غشنا ” فالذين لايراعون نظافة ألآطعمة ويقدمونها ملوثة أو فاسدة أو منتهية الصلاحية أنما يغشون الناس , والغش حرام , أن عدم نظافة محلات الجزارة , وعدم نظافة محلات صنع ألآغذية , وعدم نظافة معامل صنع الثلج , وعدم نظافة أفران الخبز والصمون , وعدم نظافة مطابخ المطاعم , أنما هو أضرار بصحة الناس , وهذا الضرر قد يصل الى ألآصابة بألآمراض المزمنة , وقد يصل الى الموت , والموت بسبب فساد الطعام أو الشراب والدواء أنما هو قتل متعمد , وقتل النفس هو فساد في ألآرض , والفساد في ألآرض عاقبته في الدنيا وفي ألآخرة , وعقاب ألآخرة هو ألآشد وألآقسى .
على الذين يدعون بالوطنية أن يكونوا مثالا في النظافة ليس بالكلام , وأنما بالعمل , وعمل النظافة أن يقوم المسؤول الحكومي , والمسؤول الحزبي , وكل من له شأن أن يقوموا جميعا بتنظيف مايجاور دوائرهم ومكاتبهم وأماكن تواجدهم على شكل حملات جمعية حتى يشجعوا الناس على ألآهتمام بالنظافة , وعلى الدوائر المسؤولة في الحكومة ومجلس النواب تشريع قوانين صارمة تحاسب من يهمل النظافة ومن يتسبب في نشر ألآوساخ والقاذورات , وعلى المدارس والجامعات والحوزات وألآذاعات والفضائيات تخصيص حصص في المناهج وفي البرامج عن النظافة , فبالتعليم ونشر الوعي مع تطبيق القوانين الصارمة يمكننا محاربة أهمال النظافة وأيجاد شعور عام يحترم النظافة ويعتبرها مظهر من مظاهر الحضارة والتقدم , ومظهرا من مظاهر صدق العبادة وخلوصها , لقد عانت بعض الدول كسنغافورة في الستينات من أهمال النظافة , ولكن بنشر الوعي وبتطبيق القوانين الصارمة التي تعاقب المخالفين توصلوا الى تحقيق النظافة في بلدهم حتى أصبح معدل دخل الفرد يساوي ثلاثين ألف دولارا بالسنة , نأمل أن يصار الى ثورة حقيقية ضد أهمال النظافة , والى حصول رفض عام الى ظاهرة ألآوساخ والقاذورات والقمامة التي تملآ شوارعنا وساحاتنا , وأن لانظل نعتمد على البلديات وأمانة العاصمة ولا على مجلس النواب ومجالس المحافظات , فلقد أثبت الجميع عجزهم ,
وفشلهم , لآن دوائر الرقابة مجمدة وغير فاعلة بسبب المحاصصة وتدخل الوساطات و لآن المواطن لم يتبنى مشروع النظافة شخصيا في نفسه وفي بيته وفي مدرسته وفي دائرته الحكومية , وهذا هو السبب عن تحقيق نظافة تسر الناظرين .