23 ديسمبر، 2024 4:18 ص

النضج تبني مظاهر المدنية لا تجعلنا متمدنيين وإنما مستهلكون لمخرجاتها حكاية

النضج تبني مظاهر المدنية لا تجعلنا متمدنيين وإنما مستهلكون لمخرجاتها حكاية

في حكاية تراثية أن أعرابي وجد ضالا في الطريق فاردفه خلفه على فرسه، وتوقف يستظل بشجرة في واحة فارشا زاده ليطعم رفيقه، فأخذته غفوة استيقظ على حركة حوافر الفرس وقد سرقها من ائتمنه فقال الأعرابي: يا هذا، الفرس وما عليها هدية لك بشرط ألا تقص على أحد ما فعلت كي لا تمتنع الناس عن إغاثة الملهوف فتضعف المروءة عند الناس.
القصة بسيطة، لكن معناها كبير، فهنالك رجل ذو مروءة، أعان رجلا لا يعرفه وشاركه الخبز والملح كما يقال، لكن هذا الأخير سولت له نفسه أن يخون من أكرمه.
المروءة حين تفقد لا أمانة ولا أخلاق، ومنظومة تنمية التخلف الفاعلة في مجتمعها لا تبقي مدنية ولا قيمة فكرية ولا عمران.
,, إن حملتك على راحلتي وأعطيتك ثقتي ثم تسرق مالي فانت نموذج لضياع المروءة ،،

إن حملتك على راحلتي وأعطيتك ثقتي ثم تسرق مالي فانت نموذج لضياع المروءة، وما أكثرها اليوم بل إن التفاخر بها أشاعها، فلم يعد في المجتمع من يقف لعابر سبيل خشية أن يسرقه، ولا يتعامل بثقة مع غريب أو قريب خشية خيانته، ولا رحمة عند من ملك.
دروع بلا فرسان
حين يتحدث الفاسد بالشرف ويتحدث السارق بالأمانة والكل يراه ويجامله ويعلم انه سارق فاسد فلم تعد هنالك مروءة بل أضحت القيم المعيارية نسبية وهذا هو تمام سقوط معنى المروءة والمنظومة القيمية ككل، وعندما تفقد المنظومة القيمية فأي قانون يحكم واي امر يبقى محترم، حتى الكرامة الإنسانية التي وهبها الله واحترم خلقه بها يفقدها الإنسان في غابة البشر المتحول لان الحيوان في الغاب عنده قواعد فطرية لا يحكمها عقل ولا قيمة أخلاقية نعم؛ لكنها تقود غرائزه فهو لا يأخذ إلا حاجته ولا يقتل إلا فريسته عندما يجوع وتراه وديعا إن شبع، ولعل هذا درس لمن نظر وفكر فتفكّر قبل أن تستعمر غرائزه منظومته العقلية فتكون مخرجات فعله تحت مستوى الحيوانية.
تغيير الذات خطوة نجاح
,, فالإنسان أول نجاحه في تغيير ذاته،،
كثير من الناس تحدث عن الحقوق، والحقيقة أنها تطلب حاجات تنتظر انى تحققها الدولة أو السلطة، بيد أن هذه الناس لا تتحدث عن الواجبات ولا تسأل عن دورها وفعلها، والحاجة عند العاجز الذي لايري دان يبادر بعمل تجهله يتوجه نحو أحلامه بما يوضع له من أوهام فتراه يركض إلى فتاح الفال أو الساحر الذي يحكي له أن الآمال ستتحقق، وحقيقة الأمر انه أخذ فتات الأموال التي يملكها ولم يتحقق له حلمه بل فقد ثمن غداءه أو عشاءه اليوم، فلابد أن يتغير هذا التفكير السقيم لكي ينهض ويعمل بدل أن يجلس ليستمع ويأمل، فالإنسان أول نجاحه في تغيير ذاته.
ازمه هوية
إن النخب النظيفة وهي تعيش زمن علو المحبطات، لابد أن تدرك أن الأمور ليست ممهدة أمامها لتوضيح القيم أو زرعها، بل إن القيم معروفة ويرفعها شعارا من يمر تحتها لكن تحتاج إلى منظومة عقلية حرة وليست واقعة تحت استعمار الحاجات والغرائز بل الجشع والطمع الذي لا يشبع ولا يردع.
يجب أن نشارك إنتاج المدنية وليس استهلاكها فقط
النخب التي خرجت من سطوة التقليدية والتكرار وعبرت عن مبادئ وقيم وحلمت لشعبها بفعل لا عند كاهن أو قارئ فنجان هذه تجاوزت مرحلة مهمة، ومخرجاتها ذات قيمة للمبصر إن لم يك اليوم فبعد أجيال، صناعة المجتمع بفكرة وليس بمخرجات مدنية مستعارة من آخرين، فنحن يجب أن نشارك العالم في إنتاج المدنية وليس استهلاكها فقط، وهذا يأتي من خلال تعريف الفكرة والهوية
التركيز على المظاهر المدنية لا يجعل منا إلا مستهلكين
التركيز على المخرجات المدنية ومظاهرها، لن يحول الناس إلى متمدنين بل مستهلكين للمنتجات المدنية التي هي من مخرجات منظومة تراكمية عبر أجيال وأقوام وانتقلت عواملها بين الأمم لتتصدر فاعليتها امه كل عصر، وهكذا كانت في الشرق الهند، الصين، ثم الإغريق ثم العرب ثم أوربا والدول الصناعية، فلا يمكن أن تبني لك مدنية من مخرجاتها وإنما المدنية من تنتج المخرجات والتقمص للفكرة والمظهر لا يجعل منك ألا مستهلكا للمخرجات، فانت لست لبراليا وتفكيرك قابع في التغلب والتمكين على المخالف أو الآخر، وأنت لست شيوعيا وتريد أن تتملك مال قارون، وأنت لست إسلاميا وأنت تفقد القدرة على إحداث العدل في نفسك قبل مجتمعك، لكن العمل المخلص مهم لأنه خالدا عبر الزمن.
طوبى لمن سلك درب الحكمة وبات يملئ منار الأمة زيتا رغم أنها لا تستنير به وهي في طريقها إلى قعر التخلف والتفاهة، ذلك أن هذا الزيت سيبقى خزينا حينما يأتي من يرتقي بهذه الأمة وهم يصعدون بهمة سيحتاجون لزيت الحكمة لينير لهم وللامة الطريق.