منذ فجر التاريخ ابتدع الإنسان الأساطير واخذ يجسد أدوارها محاولا أن يصبغ ابتداعه هذا شكلا منطقيا يشارك فيه المستمع أو المشاهد ويكون جزءا منه . وقد وضع ضوابط وقواعد لعروض تلك الأساطير وصارت هنالك اختلافات عديدة في طريقة التقديم التي تروي تلك الأحداث . ولابد لهذه المرويات من نص يعتمد عليه العارضون فظهر الكتاب ( الشعراء ) وتغير شكل ومضمون النص بتغير المجتمع وتطوره و إمكانية تمييزه للفضيلة أو الرذيلة والتفريق بينهما لأنها لا تتساوى عند كل المجتمعات ولا تتشابه في كل الظروف .
ما هو النص ؟: هو الكلمات التي يسطرها كاتبها على الورق ليقول شيء ما بشكل معين . أن يكون فكرة ، خاطرة ، رواية ،قصيدة شعر أو فلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني . وهو نص أدبي بأي شكل ولي صفة ولأي غرض وبأي صيغة . ويمكن أن يكون هذا النص منطلق لمشروع لكي يبنى من خلاله وحدة موضوع لنص أدبي متكامل في أي حقل من حقول الأدب أو أن يدرس ويهذب ويشذب ويتحول إلى مادة أدبية فنية ولهذا فليس بالضرورة أن يكون النص الذي يكتب نصا جاهزا بمجرد أن حطت الكلمات على السطور وهذا ينطبق اكثر ما ينطبق على النص الدرامي للمسرح أو السينما أو الإذاعة ومن ثم التلفزيون .والنص التلفزيوني اكثر هذه الأنواع احتياجا إلى الدراسة والإعادة وان اشترك النص السينمائي معه بالعديد من الصفات ولكن يختلف التلفزيوني عنه لانه يخاطب كل أفراد العائلة ولملايين المشاهدين الجالسين في بيوتهم في أن واحد لذلك فالنص الدرامي التلفزيوني يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار هذه الخاصية بحيث انه لا يستطيع أن يتناول كل ما يمكن أن تتناوله السينما من مواضيع أو معالجات لان ليس كل فكرة يمكن أن توظف لعمل تلفزيوني ولا أي موضوع يمكن أن يقدم لان ذلك يتوقف على طبيعة المجتمع في عاداته وتقاليده وثوابته ولابد أن نثبت أولا أن العمل الدرامي هو خبرة ثقافية وحضارية تقدم للملايين من المشاهدين تجربة إنسانية وحياتية في حلقة واحدة أو عدة حلقات لتكون أحد الروافد الثقافية المؤثرة في حياة المجتمع والذي يترك آثاره على سلوكهم وأراءهم ومعتقداتهم وبالتالي مواقفهم وطريقة تفكيرهم ومن ثم تعاملهم مع مفردات الحياة اليومية وبناء العلاقات الاجتماعية والأسرية وحتى الدولية . وهذا يتأتى من تسليط الضوء على موضوعة البهجة والمتعة . ولابد من أن يترك تأثيرا معينا ولا يمر مرور الكرام . وهذا يتوقف على إمكانية استخدام حرفية عالية في الكتابة تتناسب والفكرة الأساسية من حيث التناول والتقديم برؤيا إبداعية وبتكامل فني لتحويل المفاهيم الاجتماعية والنظرة للحياة من خلال إرادة تؤكد الأهداف الاجتماعية المحددة بواسطة تحويل الكلمات إلى أفعال في بناء موضوعي مقنع لقصة اجتماعية تأتي من دراسة اعمق لمشاكل السلوك الإنساني والمسؤولية الأخلاقية للكاتب والكاتب في خدمة الجمهور لانه جزء من مكوناته الثقافية التي تعبر عن حياتها ومورثاتها ولأنها لا تخص الكاتب كفرد بقدر ما إنها تهم هذه الجماهير التي هو واحد منها .
ولابد لهذا العمل الدرامي إلى أن يؤدي وظيفته التعليمية والإخبارية والثقافية في بناء قصة درامية مؤثرة وظروف إنتاجية جيدة بكوادر مبدعة وإمكانيات مناسبة لخلق علاقة مباشرة بالمتلقي حسب ثقافته وبيئته وتفكيره وحتى مزاجه . لان العمل الدرامي هو تفسير أو طرح واقع وخلق واقع جديد يعطي درسا وتجربة إنسانية من ذلك الواقع . وكثيرا ما يجد شخص ما أو مجموعة معينة أن هذا الذي يحدث هي حياتهم أو قد مرت أحداثه عليهم سواء أكانوا مشاهدين لها أو مشاركين في تجسيدها أو إنها تحذير من أنها يمكن أن تقع في المستقبل . إذن فالنص خلق عالم متخيل وان كان مستوحى من الواقع له ظروفه ومعطياته ومبررات نموه ، تتحرك داخل نوازع بشرية وأغراض إنسانية وتتصارع داخله العناصر حتى تفضي إلى نتيجة مقنعة ومنطقية مثلما هي الحياة وان كان العمل رمزيا أو ميتافيزيقيا فلابد وان يحمل بين طيا ته تجربة إنسانية وإلا فان ذلك الجهد ليس له قيمة تذكر مادام ليس له فائدة أن لم يكن ضارا أو مفسدا للذوق والأخلاق أو الإساءة إلى مفردة من مفردات المجتمع أو ثقافته العامة .
ويمكن للرمزية أن تأخذ مكانها حتى في الأعمال الواقعية من خلال استخدام أماكن معينة أو شخصيات معروفة ومفردات خاصة ، ولظروف يمكن أن تكون خاصة أيضا لتتعامل بالتالي بمفردات العملية الفنية كالبيئة والشخصيات والفكرة والأحداث ناهيك عن التنفيذ وتعامل الكاميرا والمونتاج والمعاجلة الإخراجية وغيرها .وهذا سيتوقف على الكاتب لتقديم رؤيــــــــا ( نص ) تفضي بالمشاهد لأدراك مدلولاته كلقطة لميزان غير متوازن على سبيل المثال أو إيحاء بخلفية إضاءة على شكل شبكة تلازم شخصية معينة ، أو أرض جافة مشققة في وسطها يقف أحد الشخصيات ، أو لقطة تؤخذ من الأعلى أو من الأسفل ، أو حركة بان سريعة للكاميرا أو بالعكس بطيئة ،وكذلك مثلا مؤثر صوتي معين ، أو لوحة معلقة على الجدار يمكن يقدم تفسيرا خاصا أو تنويها عن كشف حقيقة بذاتها لا يمكن أن يصرح الكاتب بها . وهذا كله يتوقف على ما تجود به مخيلة الكاتب من خلال فهمه لواقع المجتمع والفئة التي يبغي مخاطبتها وموهبته لتوصيل فكرته .
ويختلف النص المقروء كالرواية عن النص المعد ليتحول إلى رواية مرئية مسموعة كالفلم أو المسلسل وان اعد نفس نص الرواية إلى نص درامي تلفزيوني فطبيعة الصراع سوف تتحول من صورة متخيلة إلى أفعال محسوسا مجسدة بالصوت والصورة من خلال وسائل وتقنيات عديدة . ولهذا فان من الضروري أن يكون كاتب النص ( السيناريو ) بارعا في كيفية بناء الأحداث وتطرها وكيفية تقديمها وفق إيقاع مطلوب بحالة توتر لأزمة متصاعدة ، وأحداث مشوقة يشارك فيها المتلقي ويتوقع حدوثها بالاقتراب أو الابتعاد عن مجرياتها . إضافة إلى انه روائي ناجح في تسلسل تلك الأحداث والربط بينهما إذا ما قرأ النص كنص أدبي على الورق.وهنا لابد من أن نعرج على اوجه الاختلاف بين القصة والرواية وبين النص الدرامي :
1: في القصة والرواية من الممكن الاستطراد في الأحداث و إطلاق العنان لخيال الكاتب ومن ثم يترك القارئ يتخيل كل حسب فهمه وقدرته على التخيل بعكس النص الدرامي الذي يحدد القصة بمشاهد متسلسلة محددة المعالم لا يترك المجال لتخيل غيرها خصوصا هندما تتحول إلى عمل متكامل تقدمه الكاميرا بحسب قدرة وذكاء وثقافة المخرج والعاملين معه .
2: الصراع في القصة والرواية تتحرك في مساحة أوسع وان يشارك القارئ في بعض مراحله بينما يتجسد في الدراما معبرا عن وجهة نظر الكاتب بصيغة واحدة تسير وفق ما رسم له .
3: يتجسد الصراع في القصة والرواية من خلال وصف الشخصيات والأحداث والأماكن التي تعطي المجال لمخيلة القارئ أن يراها بعدة صور وبأشكال مختلفة سواء من قارئ لآخر أو نفس القارئ . بينما يتجسد الصراع في أحداث مرئية محددة بأشخاص وأماكن معينة وزمن معلوم .
4: يتم الصراع في النص الدرامي التلفزيوني من خلال توتر معروف قد لا يكون مكتوبا بالتفصيل عكس السرد القصصي والروائي الذي يستكشف معاني الصراع ويحدده ويربطه بالفرد أو المجتمع في بناء حسب أسلوب وقدرة الكاتب .
5: الصدام في القصة والرواية لا يكون ماديا محسوسا بل تخيليا بينما في النص الدرامي يمكن أن يعرف بين كتلتين محسوسة كأشخاص أو مؤسسات أو دول أو أفكار … الخ .
6: الأفعال والمشاعر والأحداث يكون تأثيرها مباشر في النص التلفزيوني من خلال رسم الصوت والصورة وسرعة في التفاعل مع الأحداث من وصف القصة والرواية التي تحتاج إلى إعادة قراء وتركيز وتخيل .
كتابي فن الكتابة بغداد 2009