18 ديسمبر، 2024 9:44 م

النصيحة والمعاملة وتهمة الاسلمة

النصيحة والمعاملة وتهمة الاسلمة

ان المنظومات الأخلاقية والقيمية والسلوكية، من أهم أركان الاديان السماوية والوضعية على حد سواء وكذلك من أهم مقومات النظم الحضارية الساعية الى خير المجتمعات، عن النَّبيّ – صلى الله عليه واله وسلم -، قَالَ: ((الدِّينُ النَّصِيحةُ)) قلنا: لِمَنْ؟ قَالَ: ((لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ، لانها لا تضمن تنظيم اخلاقيات وتعاملات المجتمعات فحسب، بل تؤدي أدوارا فكرية وثقافية وتربوية وتنموية وتساهم بدور جوهري في بناء المجتمع الصالح وقيام الحضارات وصناعة النهضات البشرية.

النصيحة لله هي الإيمان بالله وحده وأنه لا إله لمعبود بحق لسواه وصرف جميع العبادات والأعمال له جل وعلا وأما النصيحة لكتابه فهي الإيمان بأن هذا القرآن هو كلام الله نزل به الوحي الأمين على سيد المرسلين صلى الله عليه واله وسلم ونصيحة رسوله هي محبة والالتزام بهديه وسنته والسير على منهاجه وعدم الابتداع في ملته، والنصيحة لأئمة المسلمين هي طاعتهم بالمعروف وفي غير معصية الله والتعاون على البر والتقوى معهم، والنصيحة لعامة المسلمين هي بذل الخير لهم ونصيحتهم وتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم ودفع الظلم عنهم والسعي لجميع مصالحهم ومن هنا فأن كثير من الناس يؤدون فرائض الدين دون أن ينتبهوا إلى معاملتهم مع الآخرين ، والمعنى الحقيقى لتلك الكلمة ” المعاملة ” التي يشهدها الناس من حكوماتهم ، فأن حسنت حسنت المجتمعات ، وان ساءت، ساءت المجتمعات و منها معايير حقوق الإنسان القوية التي تشكل حجر الأساس في بناء مجتمعات شاملة بالاشتراك مع الشعوب الأصلية. الشعب العراقي يعاني اليوم من الفقر أكثر من غيرها، والتجربة الانتقالية لم تثبت بعد قوتها وصرامتها و الشعب يواجه تمييزاً منهجياً وإقصاءً من مواقع صنع القرارات الاقتصادية المجحفة بحق شعبها ولقمة عيشهم وقرارات فوقية من زوايا غير واقعية هدفها التغطية على فشلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعجز في تحقيق الموارد للميزانية بسبب الفساد الذي يشوب صرفها وعدم تمكنها من تحقيق اية استثمارات او انجازات واقعية ملموسة بالمقابل يكون هناك هروب للاستثمار من اجل ذلك كلة تتفشى السلبية وتقل الانتاجية ويزداد الفساد ويسبب تقاغس المواطنين عن اي مشاركة سياسية او اجتماعية، ومع الاسف تنسب حكومتهم الى الدين والتسمية التي يطلقها البعض عليها من الكتاب ظلماً وحقداً على الاسلام والدين منهم براء والاحزاب التي تسيطر على القرار هي بعيدة كل البعد عن الاسلام انما تعتشاش على هذه التسمية و لا يزال الظلم والجوع والفقر يهيمن على سائر مدنهم وتشهد فجوات واسعة بين الالتزامات المتعلقة بحقوق الانسان والوقائع التي تواجهها الجماهير

موجعة والحياة مليئة بالمشاهد المتناقضة ، فكثيرا ما تجد رجلا مسؤولاً سمته لا يعبر الا عن الدين في الكلام والاخلاق بين المجتمع ومن خلال معاملة بسيطة يكشف عن وجهه الحقيقى في الارتشاء والسرقة والتعامل مع المافيات ولطالما اعتمر وحج ، ويأكل اموال الناس بالباطل ويظلم ويشتم هذا ويسب ذاك ويقوم الليل ويغصب ميراث إخوته في وضح النهار و يتكبر ويتجبر على الاخرين ،و يتظاهرون بالتدين و أنهم أبعد مايكون عن التدين و هناك أخطاء جسيمة يفعلونها مع الناس ويتلذون بها ويؤدون الشعائر والفرائض في أوقاتها ولا يتكاسلون عنها، ولكن لو نظر أحدنا إلى سلوكهم وتعاملهم مع الناس لوجد ما يتناقض مع ذلك ، وترى آخرين بالمقابل لا يصدر لك تدينه وتجده رجل متدين من الطراز الاول بسبب معاملته الحسنة مع الناس واعطاء كل ذي حق حقه دون كلل او ملل وحسن التصرف ولذيذ المعاملة مع زملائه والمراجعين ومنكف على انجاز المعاملات بكل اخلاص في حين يتأخر ويتهرب الاخر من المسؤولية ،والحقيقة ان الدين جوهر لا مظهر فقط، وأن الدين المعاملة وليس شعائر فقط، وأن الدين هو العمل وإتقانه والخلق الرفيع والنظام والنظافة وحسن الأدب وترك الكذب ونبذ الفحش من القول، فلن يغير الله حالهم، فالله لا يغير ما بقومٍ، حتى يغيروا ما بأنفسهم وثمة فرق بين منظومة معاملات مبنية على المصالح والمنافع ويحددها ويرسمها المتنفذون.. ومنظومة أخرى مبنية على العدل بإطلاقه والاحسان بجوهره والرفق بمنتهاه، ونابعة من صميم ضمير الإنسان وروحه وعقله عندما يكون الضمير والروح والعقل والجوهر مبنية بناء متماسكًا عبر رسالة سماوية شاملة ودين إنساني جاء لخير الإنسانية جمعاء.

الإيمان الحقيقي يتجسد في حسن الأخلاق و شاء الله تعالى أن تكون النصيحة أساسا للدين ، بل هي الدين نفسه الذي ابتناه الله سبحانه على نزاهة الني و القصد ، و طهارة السريرة من الغش و الحقد و امتلاء الضمير و القلب بمحبة الله و دينه و خلقه ، واشتغال العقل،و قال نبينا الاكرم صلى الله عليه واله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) البخاري ومسلم، (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به( الطبراني) فالإيمان تجسد في أخلاق وفي فضائل وفي قيم الانسان السوي