26 نوفمبر، 2024 9:16 ص
Search
Close this search box.

النسخ في القران …. آفة الايمان – 2

النسخ في القران …. آفة الايمان – 2

استكمالا لما اوردناه في الجزء الاول من المقال سنعرض الان الى المشكلة التي أوجدها علماء النسخ في قضية الحرية الدينية التي يقولون ان القران أثبتها في شطره المكي ونقضها بشقه المدني وكان لا بد من رد الافتراء العظيم هذا وتبيان ان القران الكريم كتاب الحرية الدينية والمعتقدية وان ايات الشطر المكي لم تنسخ انما هي مثبتة في القرآن الكريم ولا تتعارض مع ايات القتال التي نزلت في الشطر المدني منه .
ان البيئة التي نشأ بها الاسلام كانت بيئة الجزيرة العربية والتي كانت بيئة كما تعرفون تعشق الحرية ولا سلطان قاهر على الاعراب فالبدوي حر في تصرفاته وعقيدته وهو غير منضبط باي قانون اخلاقي او ديني الا ما يرتضيه هو لنفسه ولذا اختارت العناية الالهية هذه الارض لبدء الرسالة السماوية الاخيرة كونها بيئة تختلف عن البيئات المجاورة لها والخاضعة للسلطان البيزنطي او الفارسي والتي عرفت انواع شتى من العبودية والقهر .
جاء القرآن الكريم  بنوع من انواع الحرية لم يشهدها العرب انفسهم سواء كانوا بدوا ام حضرا فقد جاء بحرية العقيدة واعتناق الاديان والمساواة بين البشر بشكل مرعب للكثير من الطغاة المحليين الذين كانوا ينتشرون هنا وهناك في الجزيرة العربية فما بالك بالطغاة العظام كعظيمي فارس والروم .
الاسلام المكي كما يحب ان يطلق عليه البعض شهد نزول ايات كثيرة تكفل حرية العقيدة والمذهب والانتماء فقد جاء في محكم القران {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29 {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256 ورغم كون هذه الاية الاخيرة من المختلف عليها فيما اذا كانت مدنية ام مكية ولكن الاجماع يقول ان هذه الاية نزلت قبل تمكين المسلمين واشتداد عودهم وقوة شوكتهم وكأن الاسلام في نظر هؤلاء حركة انتهازية تتأثر بالمحيط ولا تأثر به وهو بالضبط عكس المقاصد الالهية في اقرار الاديان السماوية الا ان هذه الايات الكريمة قد حجبت عن واقع التشريع الاسلامي في تكوين الدول الاسلامية بعد العصر الراشدي بحجة النسخ الذي حصل في ايات القرآن وقد تبنت معظم المدارس الاسلامية مفهوم النسخ تأثرا بوعاظ السلاطين والذين كانوا بلاشك من اساطين الفقهاء الذين لا يرقى اليهم الشك بحسب العامة كما هو حاصل اليوم من فقهاء الناتو ودعاتهم وكذلك اختلط الامر على العامة في وجود ايات تثبت وجود نسخ على الظاهر فظن الناس انها خاصة بايات القران الكريم .
لقد جاء وعاظ السلاطين ونسخوا كل ايات الحرية السياسية وحرية العقيدة وذلك لقولهم بانها تتعارض مع ايات في الشق المدني من الاسلام كانت تدعوا الى مقاتلة الكفار من المشركين ومن اهل الكتاب وللاسف حتى الليبراليين في العالم العربي والاسلامي اغفلوا هذا الامر ولم يناقشوا مشروعية النسخ وقد فاتنا ان نذكر ان النسخ في القران الكريم لم يكن يؤمن به علماء كبار في الاسلام كالرازي وغيره الا ان الحملة على عدم وجود نسخ في القرآن الكريم جاءت على يد الميرزا غلام احمد احد كبار علماء الهند والعالم الاسلامي والذي كان هو المهدي المنتظر بحسب اعتقاد جماعته الجماعة الاسلامية الاحمدية والتي كفرت من قبل باقي الطوائف الاسلامية الاخرى .
سنحاول في هذه المقالة رد تلك الدعاوي القائلة بنسخه ايات القرآن الكريم اذ بإبطال هذه العقيدة الفاسدة ستبطل دعاوي المتأسلمين واصحاب حركات الاسلام السياسي التي انتهجت العنف سبيلا لها للوصول الى الحكم او اضطهاد الاخرين حتى من ابناء جلدتهم فما بالك بالطوائف والاقليات غير الاسلامية في البلاد العربية والتي لها الحق من التخوف والخشية من ظهور هذه الحركات التي شوهت صورة الاسلام الحنيف ذلك الدين الكبير .
مشروعية النسخ :-
مشروعية النسخ في القرآن الكريم كما اورد على لسان مؤيدوا النسخ يستمد من قوله تعالى {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 وكذلك من قوله تعالى {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل101

انواع النسخ في القران الكريم :-
يورد مؤيدوا فكرة النسخ ان هناك ثلاث انواع من النسخ ورد في القران الكريم وهي :-
الأول : ما نسخ رسمه وبقي حكمه كآية الرجم ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولا أن يقول الناس زاد ابن الخطاب في كتاب الله لكتبت في حاشيته ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ) رواه أحمد ومالك في الموطأ وأبو داود . وكذلك آية الرضاع في قول أصحاب الشافعي رحمه الله وقد قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان فيما أنزل الله تعالى عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات ) . رواه مالك في الموطأ ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي . فالخمس منها منسوخ الرسم ثابت الحكم عند الشافعي وأصحابه . وقال مالك وأصحاب الرأي بنسخها بالرضعة الواحدة .
والقسم الثاني : ما نسخ حكمه ورسمه معا كالعشر من الرضعات عند الشافعي وأصحابه .
والقسم الثالث : ما نسخ حكمه وبقي رسمه كالآيات المنسوخة أحكامها مع بقاء نظمها في القرآن (المصدر موقع مجلة البحوث الاسلامية على الشبكة العنكبوتية http://www.alifta.net)

مفهوم النسخ في اللغة :
النسخ في اللغة نوعان الاول هو نسسخ الشيء اي اثباته ودليله في التنزيل {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29 وكذلك يأتي النسخ بمفهوم إِبطال الشيء وإِقامة آخر مقامه؛ وفي التنزيل: ما نَنسخْ من آية أَو نُنسها نأْت بخير منها أَو مثلها؛ والآية الثانية ناسخة والأُولى منسوخة.

ابطال مشروعية النسخ :-
1- ان القران الكريم من وجهة النظر الاسلامية هو كلام الله المحفوظ والخاتم الذي لا يرقى اليه الشك ويتحدى القران معارضيه القائلين بان هذا الكتاب من تاليف بشر بالقول {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82 وان كان في الكتاب الكريم نسخ فهذا اثبات على ان هذا القران هو من عند غير الله لان الاختلاف قد دب فيه وهو ما يناقض وجهة النظر الاسلامية بهذا الكتاب الكريم .
2- ان القرآن الكريم وبحسب وجهة النظر الاسلامية كتاب لا يرقى اليه الشك والريب فهو كتاب جلي لا ريب فيه فقد ورد في القران نفسه قوله تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 وقوله تعالى {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }يونس37 وقوله تعالى {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }السجدة2 والثابت لدى القائلين بالنسخ بانه لا يوجد اجماع بين ائمة السلف على عدد الايات المنسوخة وما هي الايات الناسخة لها وما هي الايات المنسوخة اي ان هناك شك وريب في الايات القرانية لربما كانت منسوخة اي مسقوطة الحكم وبالتالي فان الشك والريب الذي نفاه القران عن نفسه اقره القائلين بالنسخ ووجدوا للشك والريب مكانا في القران الكريم واياته .
3- كما اسلفنا ان القائلين بمفهوم النسخ عارضوا ثوابت قرانية في محكم التنزيل فما بال الايات التي استدلوا بها على النسخ , نقول والله المستعان ان ما ورد في الاية رقم 106 من سورة البقرة القائلة {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } دليل على عظمة القرآن وهيمنته على باقي الكتب السماوية لو قرأنا هذه الاية ضمن سياقها القراني لا باستقطاعها من النص القرآني وجعلها وحدة موضوعية قائمة بذاتها فهذه الاية توسطت سورة البقرة وكانت ايات سورة البقرة التي تتسبق اية النسخ تتحدث عن اليهود وشريعتهم فالايات من رقم 47 مرورا بالاية رقم 106 تناولت مسيرة اليهود التاريخية مع الشريعة الموسوية وبعد الاية رقم 106 استمرت سورة البقرة بسرد قصة اليهود مع الشريعة الموسوية ومخالفتهم لها وتحريفهم لكتاب موسى وتعاليمه وقتلهم الانبياء بغير حق ولهذا نجد ان اية النسخ هذه تخص اليهود لا المسلمين سيما وانها مرتبطة بالنسيان ومن غير المعقول ان ينسى الرسول وحيا له جاء من السماء وهو الذي كان يقول ان الوحي كان ينقش في صدره نقشا وان نسى النبي  فكيف سينسى اصحابه وان نسى النبي واصحابه ايات من القران فما الدليل على عصمة التنزيل الذي كان يفقد جزء منه بسبب النسيان ان النسخ هنا والنسيان كان يقصد به احكام التوراة فقط التي نسخت في القران الكريم حيث ان من المعلوم من وجهة النظر الاسلامية بان القران الكريم جاء مصدقا للكتب السماوية السابقة ومهيمنا عليها وناسخا لبعض احكامها فقد ورد في القرآن الكريم {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48 فهذا الكتاب هو المهيمن على باق الكتب وهو الناسخ لها وهو الذي نزل بالشريعة الاكمل وان النسيان لم يصبه وانما اصاب الكتب السماوية التي سبقته بسبب التقادم , ولو سلمنا بفرضية ان هذه الاية تخص القرآن الكريم فكيف يمكن تفسيرها بما يتوافق مع الثوابت القرانية بالعصمة وعدم الاختلاف لكونه من عند الله تعالى . النسخ هنا في هذه الاية ليس معناه الابطال وانما معناه الاثبات لان النسخ يأتي بمعنى الاثبات كقوله تعالى {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29 اما النسيان فهو التأخير كما ورد في لسان العرب وبهذا يستقيم هذا التفسير مع الثوابت القرانية المعروفة . اما الاية الاخرى التي استدل بها القائلون على مشروعية النسخ والواردة في سورة النحل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل101 نقول هنا  ان الايات هنا ليس المقصود بها الآية القرآنية  بل جاءت تعبيرا عن العذاب السماوي، الذي يظهر كعلامة على صدق النبي، والمعنى: “إذا بدَّل اللّه آية سماوية مكانَ أخرى لا يجوز أن يعترض أحد على ذلك، لأنَّ اللّه يعلم الآية المناسبة في وقتـها المناسب”. إن هذا القانون يظهر في عهد كل نبي، حيث يتلقى وحيًا إنذاريًا مشروطًا، وقد يبدل اللّه هذا الوحي الإنذاري المشروط، كما حصل ذلك في قصة يونس عليه السلام، فبعد أن أخبر اللّه يونسَ -عليه السلام- أنَّ قومه سيهلكون، بدَّل اللّه ذلك لأنَّـهم قد تابوا.””إن اللّه تعالى يفي بوعده، ولكنـه قد يؤخر وعيده. يجب التفريق جيدًا بين تغيير الوعد وتغيير الوعيد، فالأول كَذِب -واللّه تعالى منـزَّه عن ذلك- والثاني كرم.”وهناك معنى آخر يُحتمل للآية، وهو نسخ الآيات من الكتب السماوية السابقة، وليس من القرآن الكريم، والمعنى: إذا بدَّلْنا آيةً قرآنية مكان آيةٍ من الكتب الماضية اعترض الكفار، واتـهموا النبي بالافتراء، لأنَّـه ما دامت التوراة موجودة فما الداعي لأحكام جديدة؟ حسب تصورهم. (المصدر موقع الجماعة الاسلامية الاحمدية http://new.islamahmadiyya.net) .
4- ان القائلين بفقدان بعض ايات القران ونسخها كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها روى ابن ماجه بسنده عن عائشة قالت: لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرا، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها , يروون كلاما مضحكا وسخيفا لمناقضته ايات صريحة من القرآن الكريم {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }القيامة17 وقوله تعالى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }فصلت42 وقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 فكيف بقران يحفظ من فوق سبع سموات تاكله داجن .
5- والغريب ان هناك من قال ان هناك ايات نسخت باحاديث نبوية شريفة مع ان النسخ حسب مفهومهم لا يكون الا باية مثلها لا بحديث تتقاذفه المرويات وتدخل فيه مشاكل العنعنة والجرح والتعديل فضلا عن سخف الرأي الوارد في ان هناك نسخت رسما وابقيت حكما فما الحكمة من نسخها اذا ما دام الحكم باقيا الى يوم الدين .
مما سبق يتضح جليا وبصورة واضحة بطلان النسخ وان ما اثبته القران من حريات دينية وسياسية حريات ثابتة مثبوتة في القرآن الكريم الى يوم الدين مهما حاول سلاطين الاستبداد ووعاظهم والمتأسلمين اخفائها فالحق احق ان يتبع وان كل ما ورد من خلاف لهذا الرأي فهو باطل بدون شك

الجهاد والحرية الدينية والسياسية :-
وبعد ان أبطلنا مفهوم النسخ سترد عدة اسئلة تتعلق بالجهاد ومقاتلة الكفار التي دأب عليها النبي في حياته بامر من القرآن الكريم اذ كيف سيتفق مفهوم ابطال النسخ مع ايات توجب قتال الكافرين وهذا ليس بالأمر الصعب ذ إن من قالوا ان هذه الايات نسخت باية السيف انفسهم يختلفون عن ما هية اية السيف فبعضهم يقول انها وردت في سورة براءة {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5 وبعضهم قال انها وردت في نفس السورة ولكن باية اخرى في قوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة36 وقوله تعالى ايضا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }التوبة38 والبعض قال انها في سورة محمد {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4 وهذا بحد ذاته يبين مدى الاختلاف في الايات الناسخة والمنسوخة التي اشرنا اليها سابقا والتي تبطل حجية النسخ وبالرجوع الى تلك الايات الكريمة نرى ان حالها حال اختهم اية النسخ قد استقطعت من السياق القرآني وتلك الايات كانت تتحدث عن قتال المشركين المقاتلين للامة الاسلامية فدولة المدينة المنورة قد اعلن عليها المشركون الحرب وقد حشد القرآن الكريم طاقات المسلمين لقتالهم اما اذا جنحوا للسلم فامر النبي عليه افضل الصلاة والسلام بالجنوح له وعقد معهم صلحا مشهورا اسماه صلح الحديبية واذا رجعنا الى سورة التوبة او براءة ولنطالع السياق فيها (بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ{1} فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ{2} وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{3} إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ{4} فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{5} وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ{6} كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) اما ما ورد في سورة محمد فهي اية تدل كل الدلالة على انها تبين احكام حالة الحرب فقد قال الله تعالى (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) فهنا قد ارتبط ضرب رقاب الكفار باذا الشرطية في حالة اللقاء في حالة الحرب وأسقط هذا الحكم عندما تضع الحرب أوزارها ,  بل وان القران الكريم حدد القوم الدين وجب قتالهم الا وهم الاعداء المقاتلون للامة فقط فقد قال الله تعالى
 1 – { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } البقرة190
2 – { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } التوبة 
36
وهكذا تم ما تم وبان المقصد في ان الاسلام دين حرية ومسامحة ولكنه ليس دين ذل فان قوتل المسلمون قاتلوا وان سالمهم الناس اسلموا لهم واقاموا على ذلك العهود والمواثيق الا ان هذا الامر ما كان يرتضيه سلاطين المسلمين المتعطشين لغزو الاخرين ونهب ثرواتهم بحجة الجهاد وصانعهم وساندهم في هذا الامر شلة من واعظيهم فنهبوا البلاد واسكتوا اصوات الحق في بلادهم وقمعوا حرياتهم ومات من اثر هذا التسلط وعوقب ائمة مذاهب المسلمين الاربعة فالشافعي قتل في مصر بعد ان طرد من بغداد وابو حنيفة قتل في سجون المنصور واذاق الخلفاء المعتزلون ابن حنبل ما اذاقوه من تعذيب في مسالة خلق القران وكذا الامر مع مالك بن انس الذي دفع ثمن مساندته لثورة محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية .

تحريم الخمر لا علاقة له بفرية النسخ :
يقول بعض المعترضين ان إبطال النسخ يعني ان الخمر اصبح حلالا ولكن هذا الامر ليس صحيحا بالمرة فتعالوا نطالع هذه الاية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }النساء43
يقول من يؤمنون بالنسخ ان الحكم الوارد في هذه الاية وهو عدم الصلاة في حالة السكر قد نسخ في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة90
وكما أوضحنا سابقا ان مفهوم النسخ في اللغة هوإِبطال الشيء وإِقامة آخر مقامه
اي ان من يقولون بنسخ الاية الاولى يقولون ان حكم حرمة اتيان الصلاة بحالة السكر قد انتقض اي يجوز الصلاة في حالة السكر اما لو قالوا لا جاء النهي عن الخمر في أوقات الصلاة  فهذا لا يعني النسخ بالمرة لان حرمة اتيان الصلاة في حالة السكر قد بقت وما انتقض هذا الحكم ابدا , ولكن المشكلة ان هؤلاء يقولون قولا ما ورد في الفقه واللغة الا على السنتهم يقولون ان الله اباح في اية لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى الخمر في غير موضع الصلاة وطبعا لا دليل لهم فاين امر الاباحة في هذه الاية واين الفعل الذي فهم منه الاباحة فقد اباح الله الرفث الى النساء في ليلة الصيام عندما اتى بفعل الاباحة احل فقال عز وجل
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ …….. }البقرة187
فاين الفعل الذي افهم منه الاباحة في اية لا تقربوا الصلاة
الجواب لم يأت ولعل بعض المتحذلقين منهم قالوا هذا ما يفهم من عموم النص وهم المتشدقون اصلا بحرفية النص
نقول لهم قال الله تعالى في كتابه الكريم
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ }البقرة197
والفسوق في هذه الاية محرم في الحج فهل اباحه الله في غير الحج وحتى وان نسخ هذا الحكم عندكم بمفهومكم هل ان الله يامر بالفسوق في غير الحج ثم يأمر بتركه
فسبحان الله عما تصفون

أحدث المقالات