يرى الكثير بل الاغلب من العلماء بان النسخ حصل في الشريعة المحمدية والقرآن الكريم ويستدلون على هذا النسخ بايتين وردتا في القرآن الحكيم تشيران الى النسخ , والنسخ كما هو معلوم ابطال الحكم وانزال حكم اخر محله وكذلك النسخ في اللغة يحتمل اثبات الشيء ودوامه لقوله تعالى {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29, وقد استدل القائلون بالنسخ بآيتين من القران الكريم {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 والاية الاخرى هي {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل101
الغريب في الامر ان علماء النسخ ساروا خلف حرفية النص ولم يستنبطوا معانيه ولم يوافقوها مع الثوابت القرآنية في كون هذا الكتاب محكم الايات وهو من عند الله لذلك لا تجد فيه اي اختلاف وكذلك كونه مهيمنا على باقي الكتب السماوية وناسخ لها , ولذا هذا الكتاب ليس فيه شك وريب ومع ذلك يصرون على النسخ والغريب الاغرب والعجيب الاعجب ان ايا من هؤلاء لم يأت بحديث عن النبي الاكرم يوضح فيه بان هذه الاية نزلت لتنسخ اية اخرى سابقة من القران الكريم بل كل ما يتداولوه هو اقوال لابن عباس ونفر من الصحابة الاجلاء
والسؤال الكبير هنا طيب لما لم ينبه الرسول الى الايات الناسخة والمنسوخة في القرآن ويقطع دابر من يتقول على القرآن ؟ فالى الان العلماء لم يجمعوا باي حال من الاحوال على ما هي الايات الناسخة والمنسوخة وبالتالي لربما سقطت احكام عامة من التشريع الاسلامي لكونها قد نسخت بحسب قولهم وطمست على اثر ذلك القول ايات الحرية الدينية والمعتقد التي زخرت بها الايات المكية لصالح ايات القتال المدنية !!!!!!!!!
ان هؤلاء القوم شككوا في كتابهم , وفعلهم هدا لم يفعله اليهود مع توراتهم فمع ان النسخ كان في الشرائع السابقة الا ان هذا النسخ ليس نسخ الايات انما نسخ الشرائع اي ان شريعة ابراهيم نسخت شريعة نوح وشريعة موسى نسخت شريعة ابراهيم وشريعة محمد قد نسخت شريعة موسى ولم يكن هناك نسخ في داخل الشريعة الواحدة وما ادعى ذلك احد من اصحاب الملل والنحل الاخرى الا علماء المسلمين , نتيجة هذا القول اعني به النسخ التجأ الناس الى ظنية الاحاديث النبوية والتجأوا الى البحث في علوم بشرية صنعها البشر الا وهي علم الاسناد والجرح والتعديل رغم ان هناك اكثر من علامة استفهام حول هذا العلم الذي عمد الى تقييم الرجال وايمانهم رغم ان ذلك مخالف لايات بينات واضحات وصريحات من القرآن الكريم تقول َلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32 , على اثر اتباع هذا العلم الظني اختلفت الامة ودب فيها النزاع والاختلاف والتتنابذ والتحارب الى يومنا هذا , وتركوا ما هو ثابت قطعا الا وهو القران الكريم ويقول الله تعالى في كتابه الكريم {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30, واخشى ما اخشاه ان السواد الاعظم من هذه الامة قد انطبقت عليهم هذه الاية الى حد بعيد والسبب انهم تركوا القران لاحاديث الاحاد ولاقوال علمائهم او لنقل الاقوال المنسوبة الى علمائهم الاوائل .
كما اوضحنا سابقا فان مشروعية النسخ بالنسبة لمن يقولون به يستمد من ايتين كريمتين هما {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }البقرة106 وكذلك {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }النحل101 وهاتان الايتان محكمتان تفيدان ان نسخ او ابدال الاية لا يكون الا بمثلها اي اية قرانية مثلها وعندما راجعنا اقوال من قالوا بالنسخ وجدنا الشيء العجاب ورأينا افة اليهود في تركهم كتاب الله التوراة والمضي وراء علمائهم يتجسد في هذه الامة لدرجة كبيرة اد جوزوا نسخ ايات القرآن الكريم بحديث الاحاد حيث تخلص فتوى احدهم الى الاتي فالتحقيق – إن شاء الله – هو جواز نسخ المتواتر بالآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عنه ، وإن خالف فيه جمهور الأصوليين اي حجبوا ايات القران البائنة الواضحة قطعية الثبوت باحاديث ظنية الثبوت وتجاوزوا نص القران الى تخريفات البعض فهناك قاعدة هامة وعامة لاهل السنة والجماعة الا اجتهاد في النص وعابوا على الكثير من الفرق الاسلامية لاجتهادهم في النص وها هم الان يجتهدون ويتقولون ويجحدون نصوص القران الواضحة لاقوال بعض العلماء التي جوزت ما لم يجزه كتاب الله ولا سنة نبيه , والسبب في فرية النسخ في القران الكريم سببها التأثير السلبي للسلاطين المسلمين على الحركة الفقهية الاسلامية منذ نهاية الحكم الراشدي الى انتهاء الامبراطورية العثمانية الامر الذي شوه الكثير من الحقائق الاسلامية التي جاء بها الاسلام الحنيف وقررها في كتابه الكريم والمتضمنة حرية العبادة والحرية الدينية والحرية السياسية وطبعا هذا الامر ما كان يروق لسلاطين تسلطوا على رقاب الناس بالقوة واعملوا فيهم السيف واتخذوا من الحيف منهاجا لسياسة الرعية .
ان البيئة التي نشأ بها الاسلام كانت بيئة الجزيرة العربية والتي كانت بيئة كما تعرفون تعشق الحرية ولا سلطان قاهر على الاعراب فالبدوي حر في تصرفاته وعقيدته وهو غير منضبط باي قانون اخلاقي او ديني الا ما يرتضيه هو لنفسه ولذا اختارت العناية الالهية هذه الارض لبدء الرسالة السماوية الاخيرة كونها بيئة تختلف عن البيئات المجاورة لها والخاضعة للسلطان البيزنطي او الفارسي والتي عرفت انواع شتى من العبودية والقهر .
جاء القرآن الكريم لهذا بنوع من انواع الحرية لم يشهدها العرب انفسهم سواء كانوا بدوا ام حضرا فقد جاء بحرية العقيدة واعتناق الاديان والمساواة بين البشر بشكل مرعب للكثير من الطغاة المحليين الذين كانوا ينتشرون هنا وهناك في الجزيرة العربية فما بالك بالطغاة العظام كعظيمي فارس والروم .
إن الاسلام المكي كما يحب ان يطلق عليه البعض شهد نزول ايات كثيرة تكفل حرية العقيدة والمذهب والانتماء فقد جاء في محكم القران {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29 {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256 ورغم كون هذه الاية الاخيرة من المختلف عليها فيما اذا كانت مدنية ام مكية ولكن الاجماع يقول ان هذه الاية نزلت قبل تمكين المسلمين واشتداد عودهم وقوة شوكتهم وكأن الاسلام في نظر هؤلاء حركة انتهازية تتأثر بالمحيط ولا تأثر به وهو بالضبط عكس المقاصد الالهية في اقرار الاديان السماوية الا ان هذه الايات الكريمة قد حجبت عن واقع التشريع الاسلامي في تكوين الدول الاسلامية بعد العصر الراشدي بحجة النسخ الذي حصل في ايات القرآن وقد تبنت معظم المدارس الاسلامية مفهوم النسخ تأثرا بوعاظ السلاطين والذين كانوا بلاشك من اساطين الفقهاء الذين لا يرقى اليهم الشك بحسب العامة كما هو حاصل اليوم من فقهاء الناتو ودعاتهم وكذلك اختلط الامر على العامة في وجود ايات تثبت وجود نسخ على الظاهر فظن الناس انها خاصة بايات القران الكريم .
لقد جاء وعاظ السلاطين ونسخوا كل ايات الحرية السياسية وحرية العقيدة وذلك لقولهم بانها تتعارض مع ايات في الشق المدني من الاسلام كانت تدعوا الى مقاتلة الكفار من المشركين ومن اهل الكتاب وللاسف حتى الليبراليون في العالم العربي والاسلامي اغفلوا هذا الامر ولم يناقشوا مشروعية النسخ وقد فاتنا ان نذكر ان النسخ في القران الكريم لم يكن يؤمن به علماء كبار في الاسلام كالرازي وغيره الا ان الحملة على عدم وجود نسخ في القرآن الكريم جاءت على يد الميرزا غلام احمد احد كبار علماء الهند والعالم الاسلامي والذي كان هو المهدي المنتظر بحسب اعتقاد جماعته الجماعة الاسلامية الاحمدية والتي كفرت من قبل باقي الطوائف الاسلامية الاخرى .
سنحاول في الاجزاء الاخرى من المقالة رد تلك الدعاوي القائلة بنسخ بعض ايات القرآن الكريم اذ بإبطال هذه العقيدة الفاسدة ستبطل دعاوي المتأسلمين واصحاب حركات الاسلام السياسي التي انتهجت العنف سبيلا لها للوصول الى الحكم او اضطهاد الاخرين حتى من ابناء جلدتهم فما بالك بالطوائف والاقليات غير الاسلامية في البلاد العربية والتي لها الحق من التخوف والخشية من ظهور هذه الحركات التي شوهت صورة الاسلام الحنيف ذلك الدين الكبير .