ونحن نستذكر الشهيد حسن نصرالله فإننا نستذكر شرف المقاومة التي وقفت بوجه اعتى قوة غاشمة، وواجهت طغيانها بمقومة شريفة جوهرها الايمان بالقضية التي من اجلها حملوا السلاح ووضعوا القلوب دروعا لحماية اهلهم وبلدهم، فكان نصرهم هو نصر الله الذي وعد به عباده، بقوله الكريم ( وَأُخْرَى تحِبّونهَا نَصرٌ مِّنَ اللّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشرِ الْمُؤْمِنِينَ) وكان سياق الآية يشير الى ان نصر الله هو نتيجة الجهاد في سبيل الله، ويرى اهل العلم بان الجهاد نوعان الجهاد الأصغر وهو القتال في سبيل الله والجهاد الأكبر هو جهاد النفس ويقول النبي الاكرم (ص) ان الجهاد الأكبر هو مجاهدة النفس الداخلية والشهوات والرغبات ووصفه الرسول الاكرم بانه افضل جهاد بقوله (ص) (أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه)،
وحيث ان آفة الفساد هي العدو الأكبر للإنسان، فاذا هيمنت على نفسه الامارة بالسوء ساء سلوكه وانصرف عن التقوى الى الفجور، وانحرف عن قيم النزاهة الى حضيض الفساد، وعند استذكار ابطال المقاومة في جميع المجتمعات على ارض المعمورة تجد ان المشترك بينهم هو نزاهتهم واستقامتهم ومقاومتهم لمغريات الدنيا والترفع عن تقبل السحت الحرام، وهذا هو جوهر مقاومتهم في الدفاع عن قضاياهم المصيرية والعقائدية وحماية ارضهم وعرضهم،
وفي فعاليات استذكار شهادة المجاهد وسيد المقاومة الشهيد نصرالله تجد ان الجميع قد اجمع على انه يمثلهم جميعا حتى وان اختلفوا في مشاربهم العقائدية او الحزبية الا ان حبهم للشهيد جمعهم، وفي الاحتفال الذي جرى في بيروت قد قدموا صورة لوحدة المجتمع والتفافه حول مبادئ سيد المقاومة، والقم بحجر بعض قنوات الفتنة التي سعت في كل ما تملك الى بث الفتنة، لكن شاءالله ان تطفئها وحدة المجتمع،
لكن ما هو سر هذا الحب والالتفاف حول مبادئ الشهيد؟ أرى ان الجواب واضح وجلي يتمثل بنزاهة الشهيد حيث ان شخصيته التي شغلت الدنيا بثباتها وقوة باسها، انها تميزت عن غيرها ممن اشتغل في مضمار القيادة الإدارية او العسكرية في محيطنا العربي، حيث لم تظهر على الشهيد السعيد أي مظاهر للبذخ والثراء الفاحش، ولم يحرص على ان يميز اهله وخواصه بالمال والثروة، وانما على خلاف ذلك اختص اهله دون سواهم بوسام الشهادة عندما قدم ولده الشهيد وهو في ريعان شبابه شهيداً من اجل عقيدته وقضيته، وهذا منهج نبوي اختطه الرسول الكريم (ص) عندما اختص اهله في ذهابه لمباهلة نصارى نجران، فانه لم يأخذ سوى ال بيته الكرام، لان في المباهلة لعنةً تحل على من يكذب، فأبى الا ان يختص باهله في مقابلة الضرر ايمانا منه بقضيته
والشهيد السعيد (نصرالله) كان ايضاً قد اختص اهله بوسام الشهادة والتضحية ، ولم يخصهم بأموال وجنسيات اجنبية واراضي وثروات في بلدان اوربية او خليجية ولم يميزهم عن أهلهم في الجنوب، لأنه مؤمن ان سبيل الحق لا يستقيم الا بتضحياته هو وأهله وخاصته، وان جمهوره لن يقبل منه الامر بالقتال ان لم يقدم اهله وخاصته، فكان هذا المنهج سبباً في انتصار قضيته، والنصر حليف اهل الحق بعون الله تعالى،
وكل هذه الشجاعة والاقدام اساسها نزاهة الضمير وبياض اليد، فجعلته اقوى من الطغاة ،
اما الذين يخشون على ثرواتهم التي اكتنزوها من السحت الحرام ، ومن استغلال نفوذهم في تقلد مناصبهم بعناوين القيادة فيها، فان الله اخزاهم في الدنيا، كما سيخزيهم في الاخرة بقوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ، فضلاً عن ذلك فان هؤلاء الفاسدين هم اوهن من ان ينالوا شرف المقامة والجهاد، بل انهم لا يظهرون قوتهم الا على من يحارب فسادهم وعلى من يشير اليه ولو من بعيد، فيسلطون كل إمكانيات سلطانهم التي يملكون القرار فيها للتنكيل والتكميم،
وأكرر القول ان النزاهةَ شجاعةٌ تًخلِدً صاحبها وهي جوهر المقاومة الشريفة ومثالها ومثلها الأعلى الشهيد السعيد حسن نصرالله، سلامٌ عليه يومَ وُلِدَ ويومَ يموتُ ويومَ يُبعثُ حيًّا.