25 مايو، 2024 12:28 م
Search
Close this search box.

النزاهة اكثر المؤسسات العامة فسادا !

Facebook
Twitter
LinkedIn

بل ان الهيئة المفوضة لمراقبة المال العام العراقي هي داعم حقيقي لترسيخ السلوك الفاسد لدى المكلف بالشأن العام ..وربما تكون هذه الهيئة من اكبر اسباب عدم استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية والخدمية ومن ضمنها الامنية في عراق ما بعد عام 2003 .. فاذا كانت ثمة محاسبة عن الفشل الامني الذي اضاع الموصل والاراضي التي استولت عليها داعش بعد حزيران 2014 فان الاولى اخضاع ادارة هيئة النزاهة والاجهزة التابعة لها للتحقيق والمسائلة نظرا الى حجم الفساد الذي تمدد في هذه الاجهزة ما ادى الى تدني الشعور الوطني وامكانية النكران والتضحية لدى افراد القوى الامنية ،اذ انهم يلمسون ويعيشون حالة الفساد الحقيقية تمارس امامهم ومعهم وبواسطتهم .. هذا الكلام ليس اطلاقا لاحكام او تجنيا ..فان الامر بات مكشوفا اليوم فشهادات الناجين من حادثتي سبايكر والصقلاوية تؤكد ذلك وما يتداوله ويتناقله من احاديث منتسبوا القوات المسلحة سواء في الجيش او الشرطة يؤكد ذلك ايضا .. وما يتوافر من ملفات فساد ضخمة حول الملف الامني في ادراج مديريات التحقيق في هيئة النزاهة يؤيد ذلك ايضا ..ولكي لا نكون مغرضين كما يحلو للبعض ان يعتقد فينا ، نرجو الاطلاع بعناية الى التقرير النصف سنوي الذي اعلنت عنه هيئة النزاهة ومدى تفاهة الطرح حول نشاطاتها في مجال مكافحة الفساد ، فهي بهذا التقرير تؤكد النهج الفاضح في تسترها على اداء السلطة التنفيذية وابعاد او محاولة ابعاد اي انطباع لدى الراي العام عن فساد الحكومة ،فالمشرع عندما صاغ قانون رقم 30 لسنة 2011 استخدم قوالبه ليضمن لها استقلالية تتناسب مع اعتراضات جميع السلطات المتوقعة حتميا وقوة في اتخاذ قراراتها ، تجعلها قادرة على تصحيح مسارات الدولة واجهزتها ومن ضمنها طبعا الحكومة او السلطة التنفيذية .. فلو استثنت السلطة التنفيذية النزاهة من هيمنتها ربما كنا سنشهد اصلاحا كبيرا في كثير من مرافق الدولة واعمدتها الرئيسية ومن ضمنها القضاء .

حسنا الحكومة اعتقدت ان اداءا حقيقيا لهيئة النزاهة هو بالتالي طريق سالك لخصومها واداة فعالة لكسب الانتخابات في دوراتها ..ولهذا عمدت الحكومة لتحسين صورتها امام الراي العام من خلال حشر هيئة النزاهة في قنواتها ..واظنها فشلت في ذلك لان الفساد فاحت رائحته واصبح قصصا تتناولها السن العامة في كل المنتديات والتجمعات وحتى في حافلات النقل والمقاهي ناهيك عن تقارير منظمة الشفافية الدولية التي ما انفكت هيئة النزاهة تشكك في تقييم العراق ضمن مؤشرها لمدركات الفساد السنوي الذي تصدره دوريا و الذي يوضع فيه العراق على الدوام ضمن البلدان الاكثر فسادا في العالم.

ولكي نفهم دور هذه الهيئة في مراقبة الاداء والنشاط العام ..دعونا نعود الى ما قبل 2003 ونعاين الكيفية التي كانت يراقب بها المال العام .. اذ لاشك ان النظام السابق كان لا يؤمن او يعمل بمبدأ الديموقراطية وفصل السلطات ..فجهاز ديوان الرقابة المالية العريق والعتيد يعد من الاجهزة المحاسبية الاصيلة في منطقة الشرق الاوسط ..لكن هذا الجهاز مهمته محاسبية بحتة فهو يستخدم العلم المحاسبي ليؤشر على مكامن الخلل في موضوع التجاوزات او الاخطاء او الاهمال او حتى الاداء الضعيف .. لكن المسائلةتتم في حال الوقوع في مخالفات قانونية من خلال الجهاز الامني المرعب فهو كفيل بالحد من تلاعب الموظف العام بمقدرات الناس .. والامر بعد هذا معروف لدينا حول الكيفية التي يعمل بها جهاز الامن ومن يقف خلفه داعما ومساندا..

لكننا اليوم بحال مختلف تماما ..فهيئة النزاهة هي المسؤولة الرئيسية في موضوعة مكافحة الفساد التي تعتبر من التشكيلات الادارية التي استحدثتها ضرورات التغيير في نمط الحكم اذ جاء قانونها المستند على الدستور مؤكدا شكل نظام الحكم الديمقراطي وموحيا بشكل لافت بان ادائها سوف يكون معوقا اذا ما استمرت الدولة تحتكر كل قطاعات الانتاج والنشاط الخدمي خصوصا مع استمرار النهج الاقتصادي الريعي الذي يعتمد العائد النفطي قناة وحيدة للتمويل مع الاخذ بالاعتبار ان الريع النفطي هو حالة ضرورية انتقالية لاستكمال مؤسسات الدولة بما فيها القطاع الخاص ..غير ان الريع النفطي وزع على اسس المحاصصة السياسية واصبحت اجهزة الدولة وهيئاتها ووزاراتها حصص سياسية وبالتالي مالية تجعل من شاغلي المناصب العليا وكلاء لمرجعياتهم السياسية على الاقل في موضوعة التعيينات ناهيك عن الامتيازات والرواتب الضخمة وتسهيلات المنصب لوضعهم الاجتماعي العام والتداخل العنكبوتي لشبكة المصالح للطبقة البيروقراطية الجديدة التي بانت بشكل واضح لمساتها في السوق المحلية من خلال انتشار نمط التجارة والاعمال الطفيلية وعمليات غسل الاموال المهربة خارج العراق .. اضافة الى ازدهار السوق العقارية ومعارض السيارات وتجارة الذهب والمولات وشبكات الاتصال والقنوات الفضائية والملاهي الليلية واندية القمار والمواخير وعصابات الخطف والتزوير .

بقي لنا ان نعرف او نفهم لماذا لم تأخذ هيئة النزاهة دورها في العملية الانتقالية بشكل فعال ………..هذا ما سنتناوله في الحلقة الثانية من مسلسل النزاهة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب