طلبت كل من طهران وأنقرة من سفيرها لدى الدولة الأخرى القدوم لوزارة الخارجية للاحتجاج على تصريحات متبادلة بشأن الوجود التركي في العراق .
وكان السفير الإيراني لدى بغداد إيرج مسجدي قد صرح بأن على القوات التركية ألا “تشكّل تهديدا أو تنتهك الأراضي العراقية” ، بعد ان قصفت تركيا منطقة جبلية قريبة من سنجار .
وأضاف إن بلاده لا تقبل وجود أي قوات أجنبية في العراق ولا التدخل العسكري فيه، مطالبا القوات التركية بالانسحاب .
فيما رد السفير التركي لدى العراق فاتح يلدز على تصريح مسجدي، قائلا: “أعتقد أن السفير الإيراني آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درسا في احترام حدود العراق”.
وان تركيا “ترفض تماما” تصريحات مسجدي، مشددا على أن أنقرة تبلغ على الدوام الجهات المعنية، بما في ذلك بغداد، بخططها استهداف المسلحين .
ان الصراع بين تركيا وإيران على ارض العراق ليس جديداً . فقد كان قائماً لفترة طويلة ، بين السلطنة العثمانية والشاهنشاهية الفارسية ، حتى تم ترسيم الحدود عشية الحرب العالمية الأولى .
فالعراق له اهمية دينية رمزية لايران . وقد تسبب انعدام الأمن الذي يتعرض له الحجاج في طريقهم إلى مكة المكرمة والمدن المقدسة في العراق هاجسا مهما للحكام الايرانيين ، اضافة لاغراء ضم بغداد والعتبات المقدسة في النجف وكربلاء الى المجال الإمبراطوري الإيراني أو على الأقل التظاهر بذلك ، وهو أمر مهم لشرف وشرعية الأسرة الحاكمة .
ومن المنظور العثماني فان للعراق أهمية رمزية اخرى ، وكفى بالهيبة السابقة لبغداد كونها عاصمة الخلافة العباسية ، لجعلها مرغوبة من قبل السلطان العثماني صاحب السيادة الذي يطمح الى اعتباره الاب الزمني والروحي لجميع المسلمين . اضافة الى أهمية ارض العراق الاستراتيجية والتجارية ، وما توفره أنهارها من امكانيات زراعية .
وهكذا اصبح العراق ساحة حروب طويلة نتيجة موقعه الجغرافي بين هاتين الدولتين التركية العثمانية والايرانية الفارسية . حتى جاءت الحرب العالمية الاولى ، ومن بعدها نشأت الدولة الوطنية ، فوجد الشعب العراقي في هذه الدولة خلاصا من هيمنة ونفوذ الدولتين المتصارعتين .
وبقوة الدولة العراقية وسيادتها ابتعد العراق عن الصراعات الاقليمية ، وخصوصا الصراع التركي الإيراني لما فيه من خراب ودمار على ارض العراق .
ولكن الغزو الأمريكي للعراق عام
2003 قد قوض هذه الدولة ، وتركها بيد احزاب وتكتلات عميلة فاسدة .
وبالرغم من ان الدولة العراقية قبل الغزو الامريكي لم تكن مثالية وشابها كثير من الأخطاء . الا انها كانت متماسكة وحامية لحدودها .
ولكن الولايات المتحدة الأمريكية قد جعلت من العراق ارض مستباحة بعد غزوها لهذه الارض المقدسة .
ثم استكمل اوباما هذه المهمة عندما سلم العراق الى ايران كمقايضة للمشروع النووي الايراني على وفق الاتفاق الجاري في تموز/ يوليو 2015 . فاستباحت الميليشيات الولائية الايرانية ارض العراق وشعبه ، وتم نهب خيراته وامواله بالتعاون مع الحكومات العميلة الفاسدة التي جرى تنصيبها على الدوام بالتوافق بين الولايات المتحدة وايران .
ومن جانب آخر أبدى القادة في تركيا تحفزا للوثوب على العراق المنهار والدخول في أراضيه، والتلويح بالمطامع التركية وعلى الاخص في الموصل وكركوك .
ومن هنا جاء النزاع الايراني التركي الجديد على ارض العراق .
ان هذه التصرفات اللامسؤولة والمنافية للاعراف الدبلوماسية تدل على فقدان العراق لسيادته على ارضه . نتيجة غياب القرار السياسي الموحد ، وتسيد الاحزاب الحاكمة على المشهد السياسي وهي تبحث عن مصالحها الضيقة ، دون الالتفات الى المصالح الوطنية العليا .
ولذلك فان العراق سيبقى في مهب الريح بين مصالح الدول العالمية والاقليمية ، حتى تتوفر له قيادة وطنية مخلصة لهذا البلد العريق ، نابعة من رحم معاناة الشعب الذي انتفض في وجه الفاسدين . ومازال على طريق التحرر حتى تحقيق اهدافه .