22 ديسمبر، 2024 7:23 م

النزاعات.. من حيث المنشأ و من حيث السمات

النزاعات.. من حيث المنشأ و من حيث السمات

معظم الصراعات تأخذ صفات وسمات يريدها لها من يروجون للحرب والصراع؛ بحيث يخفون طموحاتهم و منافعهم الشخصية والمنافع التي تعود عليهم من اشعال الصراعات والنزاعات واستمرارها وتأجيجها .. فيراها الناس حرب قبلية عرقية او دينية .
لكن في المنشأ هي صراعات سببها طموحات واطماع سياسية واقتصادية لأشخاص محددين.
تفجير الصراعات و ادخال مزيد من الاطراف اليها يستلزم مبرر سهل التسويق حتي تفهمه العامة و تتقبله، و تصبح مستعدة للتضحية بدمائها وارواحها فداءا لهوية ما، ولقبيلة او عرق ما،
لأن أي تفسير اخر سيدفع بهم للنأي بانفسهم وابناءهم و ممتلكاتهم عن الصراع، وبالتالي تحرم النخب المتصارعة من الوقود اللازم للحرب و لاستمرارها.
الهوية ليست سبب للصراع السياسي انما نتيجة له، وليست سبب للحروب الاهلية والنزاعات انما عرض لها؛ و لا يمكن ان تكون الا عرضا ونتيجة.
فيما اسباب الصراع الفعلية هي اقتصادية وصراع علي الموارد والثروات.
ولأن الثروات لا تملك بواسطة القبائل و الاثنيات بل تملك بواسطة الافراد؛ فهذا هو زمن الملكية الفردية و قد ولي زمن الملكيات الجماعية حتي في اكثر مناطق العالم تخلفا و بدائية!! لذا فإن الاسباب الحقيقة لكل النزاعات هي المصالح الفردية و المنافع الذاتية و الشخصية التي تعود علي اقسام صغيرة من المستفيدين.
لذا فإن الصراعات التي تدور في افريقيا مثلا بغطاء الهوية هي صراعات في حقيقتها تندلع و تشتعل و تدور بفعل و لفائدة نخبة تلك المناطق التي تسعي خلف مصالحها الشخصية و لا تبالي بمصير دولها و قبائلها بل تسعي خلف الثروات و خلف السلطة لأنها بدورها تمهد السبيل للحصول علي الثروات و حمايتها..
كل تلك الصراعات هي صراعات في منشأها صراعات طموحات النخب و والمثقفين، وان كانت إبان اشتعال اوارها تأخذ سمات قبائلية و عرقية لكن في لبها وقلبها هي صراعات مصالح، وهذا يتبدي مجددا في نهاياتها و في التسويات التي تعقد والمصالحات التي تجري بين الاطراف لانهاء القتال واقتسام الغنيمة!
فالاطراف التي تدير النزاع والصراع توقفه بمجرد استشعارها ان نيرانه تقترب من ان تطالها، اذ هي علي استعداد للتضحية بالجميع لكن عندما يصل اليها هي تفضل عقد التسويات السلمية.
احيانا تحدث تفاهمات و صفقات في اتون الصراع لكنها في الغالب تتم في الخفاء بعيدا عن الأعين، وحتي الذين يسمح لهم برؤية ما يتم يجري خداعهم و التشويش عليهم حتي لا يتوصلوا لرؤية شاملة لما يجري من خداع للبسطاء و العوام باسم القبيلة والهوية القومية و الثقافية.
في السودان تم تسويق النزاعات والحروب الاهلية من الجنوب في السابق الي دارفور و الجنوب الجديد (جنوب كردفان و النيل الازرق) علي انها صراعات بين هويات ثقافية يحاول بعضها افناء بعض و يسعي بعضها للحفاظ علي حقوقها في الحياة والبقاء،
سلطة الاسلامويين التي قادها البشير صورت الصراع علي انه محاولة (صليبية) مدعومة من الكنيسة العالمية ضد المسلمين وضد الثقافة العربية، و التقط خصومه هذه الفرية و عكسوها و صوروا النزاع الي انه محاولة لافناء الاثنيات غير العربية و غير المسلمة .. الخ
البعض صاغ نظريات فكرية لتأطير هذه المزاعم فوضع نظرية (منهج التحليل الثقافي) و نظرية حتمية صراع المركز والهامش.. وظلت المعارضة السياسية والعسكرية تدور حول هذا المحور طيلة العقود الثلاث الماضية.
وقد عقدت اثناءها (العقود الثلاث) عدة تسويات فاتضح دوما ان المهمشين يتضررون من الصراع لكنهم لا يستفيدون ابدا من التسويات والتي يستفيد منها قطاع او فئة صغيرة هي التي استفادت من اشعال الصراع اولا و من استمراره وها هي تستفيد من تسويته ايضا !! وهذا يثبت ان الهويات يتم توظيفها لتأجيج و تعميق الصراع لتعظيم المكاسب الشخصية و تحقيق الطموحات و الاطماع الخاصة.