18 ديسمبر، 2024 3:50 م

النزاعات العشائرية : من روافد الموت في العراق

النزاعات العشائرية : من روافد الموت في العراق

تَتَعددُ روافدُ وسبلُ الموتِ في العراقِ الجريحِ، ولكن النهايةَ الحتميةَ هي أن الموتَ واحدٌ وإن تَعدّدَت أسبابُه.

فَمنَ الإرهَابِ والسياراتِ المُفَخّخة التي تَعزِف ألحَانَها على أوتارنا, إلى العُبوات الناسفةِ، وإلى الخَطْفِ والقَتلِ تحْتَ سُعار الطائفية، إضافة إلى إطلاق الأعيِرة النارية في الأفراحِ والأتراحِ وخُصوصاً عندَ فوزِ المُنْتخَب الوطني في إحدى مُبارياتِه.

كُلُ هذهِ السُبُل والرَوافدِ الآسِنة التي تُوزِّع الموتَ بالمجّان لتَخطِفَ أرواحَنا، أضاف أليهَا العراقيونَ رافداً آخرَ ليحْصِدَ أرواحهم, لا تَقِلُ سَطْوةُ مِنجَله عَنْ سابِقيه ألا وهو” النزاعات العشائرية ” والتي انتَشَرتْ في الآوِنة الأخيرةِ انتشارَ النارِ في الهشيم .

وهذه النِزاعاتْ تأخذ طابعَ الحروب القديمة، كداحس والغبراء، وحَرب البَسوس من حيث الثارات ومدى بَقائِها، والعداوة والبغضاء وتَجَذُّرِها في النفوس، إلا أنها مُتطورة وأسلحتها خَفيفةً وثقيلة.

فَعلى سبيل المثال نشر موقعُ قناةِ السومرية خبراً بِحسْبِ مصدر ” أن محافظةَ البصرةِ

شَهِدتْ في (16 آذار 2015) نشوب نزاع مسلح بين أفراد من عَشيرتَيْ البطوط والحمادنه في منطقة الكرمة، وهو النزاعُ الأعنف من نوعهِ خلال العام الحالي، إذ تَخلّلَتْهُ عملياتُ قصفٍ متبادَل بِمدافعِ الهاونِ والقذائفِ الصاروخيةِ المَحْمولةِ على الأكتاف والمَدافِع الرشاشةِ المتوسطة، ثم تمكنت القوات الأمنية بصعوبة من فض الاشتباك، وأسفرتِ عمليةُ التدخُل عن إصابةِ جُنديينِ بجروحٍ، كما تَمَ إلقاءَ القبضِ على عددٍ من المشاركين في النزاع” . وكذلك شَهدتْ محافظةُ ميسان، بتاريخ (16 آذار 2015)، مقتل تسعة أشخاص وإصابةِ 20 آخرين بنزاعٍ عشائريٍ، استُخدِمتْ فيه أسلحةٌ خفيفةٌ ومتوسطةٌ في ناحية العدل التابعةِ لقضاءِ المجر (40 كم جنوب المدينة ) .

وإذا أردنا البحثَ في أسبابِ هذه الظاهرة فإنها كثيرة ومتراكمة ففي لقاء راديو العراق الحر

يعتقد الخبير الأمني (محي عبد الحميد) أن أهم الأسباب في انتشار هذه الظاهرة هي المعالجات الحكومية السطحية وغير المجدية، وأن الأساليب مازالت قديمة وتقليدية في الوقاية من الجريمة، وفي لقاء مع راديو العراق الحر قال عبد الحميد “إذ تقوم السلطات بالبحث والتحري عن المنفذين للجريمة بعد وقوعها وسقوط الضحايا، بينما الأساليب الحديثة هي منع وقوع الجريمة وتتبع المجرين قبل تنفيذها .” أضف إلى ذلك عدد من الأسباب لهذه الظاهرة :

أولاً : العنف والإرهاب في بعض المحافظات ألقى بظلاله على المحافظات الآمنة نسبياً مما سهل دخول الكثير من الأسلحة وتزايد معدلات الجريمة.

ثانياً : انتشار الأسلحة بأنواعها الخفيفة والمتوسطة ، وعدم تقنين امتلاك الأسلحة، وغياب القانون الرادع لهذه الممارسات,

ثالثاً: وجود الأعراف العشائرية وهيمنتها على العشائر ربما أكثر من سيطرة الدولة والقانون، وكذلك وجود بعض الأعراف والتقاليد الجائرة والظالمة, وكذلك استغلال بعض العشائر لهذه القوانين العشائرية ” السناين” في تحقيق مآرب شخصية ومنافع مادية من خلال، الخصومات التي تحدث بين أبناء القبائل، وتصل بعض هذه المبالغ إلى عشرات أو مئات الملايين .

أما الحكومة المحلية في مدينة البصرة وكذلك المدن التي تشهد نزاعات قبلية؛ فإنها تقع عليها المسؤولية الكبيرة في استتباب الأمن وفرض القانون، إلا أن مسئولين بصريين أعلنوا أن هذه النزاعات تشغل القوات الأمنية عن أداء واجبها!!! ولكن أليس من واجب القوات الأمنية هو فرض القانون, وبسط الأمن في المدينة؟؟ أم أن الإرهاب هو فقط السيارة المفخخة والعبوة الناسفة ؟؟ هذه النزاعات القبلية ربما لا تقل خطورة عن المجرمين والإرهابيين, فالإرهاب معروف بوسائله وأساليبه, ولكن هذه الخلافات القبلية والحروب الضارية ستولد العداوات والبغضاء بين أبناء المدينة الواحدة وستمتد هذه الثارات والنعرات العصبية إلى أجيال قادمة, وربما لا تنتهي إذا لم يقف المجتمع أمامها وقفة رجل واحد ليستأصل شأفتها, وينهي أمرها .

ويقول عضو مجلس محافظة البصرة ربيع الحلفي: “إن الفراغ الأمني وكثرة النزاعات العشائرية تستدعي زيادة عدد القوات الأمنية في البصرة، وانسحاب الجيش من البصرة أدى إلى الكثير من المشاكل الأمنية في المحافظة.

في حين يقول عضو مجلس المحافظة غانم حميد” إن المشاكل العشائرية أدت إلى إرباك الوضع الأمني في المحافظة، ويقترح تقسيم البصرة إلى قطاعات من اجل تكليف القيادات الأمنية ومعرفة الخلل الذي يحدث ومسؤولية كل قوة ..

ومن جانبٍ آخر قال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة جبار الساعدي “انه تم تخصيص ستة ألوية عسكرية لحماية البصرة والسيطرة على النزاعات العشائرية، وقد تم تشكيل الفرقة 16 في معسكر تدريب ذي قار خصص منها لواء للبصرة، سيكون تحت أمرة قيادة العمليات، إذ سيسهم في استتباب الأمن وبالأخص النزاعات العشائرية فضلا عن لواء مغاوير البصرة وعدد من الأفواج.

إن الآثار الآنية والمستقبلية لهذه النزاعات والحروب العشائرية قد تكلفنا الكثير, وفعلاً بدأت ملامح آثار هذه الحروب والخلافات والنزاعات . والدليل أنها ما زالت مستمرة إلى اليوم, مع العلم أنها بدأت تتفاقم ويزداد لهيبا في العام 2007 في مدينة البصرة وتبعتها مدن أخرى كميسان وبعض مناطق بغداد كان آخرها ما نشرته وكالة ( المدى برس) بتاريخ الأمس 8/4/2015 عن مقتل وإصابة ستة أشخاص بنزاع عشائري جنوبي شرق بغداد في منطقة

جسر ديالى, إضافة إلى ذلك ما تسببه هذه النزاعات من تفكك في المجتمع، وإشاعة روح الحرب، وصداقة السلاح، وانتشار الظواهر السلبية، وإثارة النعرات القبلية العشائرية , وكذلك تراجع دور العشائر في الحفظ على السلم الأهلي باعتبارها مصدر قلق, ولا يكفي من الحكومة المركزية الدعوة إلى وقف القتال، كما فعل السيد العبادي حينما دعا شيوخ العشائر إلى وقف القتال الدائر, بل على الحكومة اتخاذ خطوات جريئة في مثل هذه القضايا المصيرية الحاسمة، وتفعيل القوانين التي تحد من انتشار السلاح، ومحاربة التطرف والمبالغة العشائرية في القوانين و” السناين” القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب , وتفعيل دور القانون وإخضاع الكل له .