23 ديسمبر، 2024 12:59 ص

النزاعات العشائرية تهدد الأمن والاستقرار في العراق!

النزاعات العشائرية تهدد الأمن والاستقرار في العراق!

لكلّ مجتمع في منطقتنا شرق الأوسطية مكوناته وتعد اللبنات الاساسية لبناءه وسر لديمومته وقدرته على التطور والتجدد ومواجهة التحديات ومواكبة التطورات والتغييرات المستقبلية.

ان النسيج الاجتماعي للمجتمعات يلعب دوراً مهماً ومحورياً في مدى تمتعها بالأمن والاستقرار فمهما كانت متماسكة ومتناسقة ومتسامحة فيما بينها كان تأمين الاستقرار أسهل ولكن في الجانب الآخر عندما تكون مكونات المجتمع متناحرة ومتشاجرة فيما بيّنها ويسيطر عليها الفكر العنصري والطائفي ولا تقبل بوجود الآخرين أو النظر إليهم نظرة دونية باستعلاء وكبرياء، كان الأمن فيه مهدداً وغير مستقر، بل يقف على حافة الهاوية وينتظر أدنى خلل لينقلب كل ما تم بناءه إلى حطام تذروه الرياح وينقلب رأساً على عقب.

من حق كل إنسان أن يفتخر بانتمائه الوطني أولاً ومن ثم انتماءه السياسي والاجتماعي ولكن في حدود معينة تنتهي عند حدود انتماء غيره ويحترمه ويتعامل معه على أساس المحبة والتسامح والكرامة الإنسانية والحرية الشخصية.

المجتمع العراقي يتكون من عدد من العشائر والقبائل وهذه البنية الاجتماعية منحت المجتمع العراقي قوة سياسية وبُعداً اقتصادياً وجمالاً وطنياً وثقافياً، ولعبت هذه العشائر والقبائل دوراً ايجابياً كبيراً في المراحل السابقة لما تتمتع به من علاقات وطيدة وساهمت في تعزيز الروابط الوطنية وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المستعصية و واجهت التحديات وقاتلت قوات الاحتلالات المتكررة وقدمت الدعم والمساندة للحكومات المحلية ولنا في التاريخ الحديث العديد من الأمثلة.

لكن ما نراه من مشاهد شبه يومية على القنوات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي من نزاعات وقتال بالأسلحة النارية الخفيفة والمتوسطة بين هذه العشيرة وتلك لخلافات على الأراضي او قضايا القتل والاعتداء والشرف التي تكاد تخرج من اطار الحالات المحدودة الى ظاهرة مرعبة تهدد أمن المواطنين في ظل امتلاكها للأسلحة وعناصر مستعدة للقتال والتضحية فداءً لقبيلتهم واثبات قدرتها على فرض سيطرتها ورأيها في الأمور وكأننا نعيش أيام الحروب والمعارك الطاحنة، وغالباً ما يشعر المواطن العراقي باليأس والإحباط مما يشاهده وباتت بعض المناطق ساحات مفتوحة لتصفية الحسابات الماضية والآنية.

ان الزيادة في عدد المنازعات العشائرية وفصلها بقوة السلاح دليل على ضعف الأداء الحكومي وخاصةً الأجهزة الأمنية المكلفة باستتباب الأمن والاستقرار والحفاظ على النظام العام والآداب العامة، كما أنه يشير إلى إيمان المواطنين بقدرة العشيرة والقبيلة على فعّل المستحيل من اجل حمايتهم واسترداد حقوقهم المشروعة وأموالهم المسلوبة وأعراضهم المنتهكة وضعف ثقتهم بالمؤسسات الحكومية الرسمية على القيام بالمهام الموكلة إليهم واستعدادهم للجوء إلى عشائرهم من اجل حماية انفسهم من أي تهديد وبالتالي ينشأ لديهم الولاء لها بدلاً من الولاء للوطن وهذا يمثّل تهديداً حقيقياً للأمن القومي للبلاد، إن إحلال الهويات الفرعية القبلية والدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية محل الهوية الوطنية خطر كبير على المجتمع وأمنه، من جانب آخر فأين يذهب من لا يملك عشيرة تسانده في أمور حياته اليومية، أو عند تعرضه لادنى حادث او موقف، إن النزعة القبلية المغلقة تمثّل احدى التحديات الرئيسية امام الأجهزة الأمنية للقيام بدورها بشكل صحيح، لأنّ ما رأيناه قبل ايام ما حدث في محافظة ديالى من هجوم المسلحين التابعين لعشيرة معينة على المؤسسات الحكومية وإغلاقها وإنزال اسمائها لخلافاتها على منصب المحافظ تعد سابقة خطيرة وتهديد حقيقي للأمن الوطني وكأن المناصب تقسم بينها وتعتبر نفسها مغبونةً في عدم الحصول على استحقاقها.

إن الاحزاب السياسية والمرشحين للانتخابات تلعب دوراً كبيراً في زرع النزعة القبلية في الفترات التي تسبق اجراء الانتخابات التشريعية لأنهم يرسمون برامجهم الانتخابية على أساس التوزيع القبلي والعشائري في اختيار المرشحين من أجل دفعهم للتوجه إلى مراكز الاقتراع والإدلاء بأصواتهم لصالح مرشح قبيلتهم بل ويتباهون بما حصل عليه مرشحهم من الأصوات مقارنةً بغيره من المرشحين وبالتالي فإن المرشح الذي أيده أبناء قبيلته وأوصلوه إلى قبة البرلمان لا يستطيع ان ينزع ما ألبسه خلال فترة الدعاية الانتخابية بسهولة ويرى من واجبه خدمة قبيلته قبل غيرها.

أنّ العشائر والقبائل العراقية لعبت أدواراً مشهودة في المراحل المختلفة وهذا ما لا يمكن انكاره وان وجود الخلافات والنزاعات ظاهرة طبيعية ولكن ما يؤسف عليه هو لجوء هذه القبائل الى حلّها بالسلاح وليس بالطرق القانونية السليمة.

ان حصر السلاح بيد الدولة وزرع الثقة بالمؤسسات الوطنية لدى المواطنين و وضع برامج وطنية لتوعيتهم على ثقافة المواطنة والحوار والتسامح والتفاهم وضرورة سيادة القانون وحماية المجتمع وقيام المؤسسات الأمنية بالدور الفاعل والمؤثر من الخطوات البديهية لاستتباب الأمن والاستقرار الوطني.

نتمنى رسوخ الأمن والاستقرار والسلام للجميع وكلنا ثقة بأن المستقبل سيكون مشرقاً ومزدهراً .