22 ديسمبر، 2024 7:01 م

النرجسيه والسياسى—السيد مسعود البرزانى نموذجا

النرجسيه والسياسى—السيد مسعود البرزانى نموذجا

النرجسيه من الامراض االنفسيه- الاجتماعيه التى يصاب بها مختلف الافراد من جميع االشرائح الاجتماعيه, وتقوم هذه على تصورات ,على سمات فرديه متنوعه حول اهلية “المريض” وتفوقه وقدرته على الاتيان بانجازات لايقوى عليها الاخرين, ويمكن ان تكون اسبابها الشكل والصورة الجميله او الاصول العائليه “العريقه- الاصيله” او الذكاء وحتى الاستعداد للعنف واستخدام القوة فى مختلف المواقف كسمة تميز الشجعان والمقتدرين..!! وبشكل عام فان هذه التصورات الفرديه, غير الموضوعيه تقود الى سلوكيات ومواقف متعاليه متعجرفه مثقلة باستخفاف وعدم الاحترام والنظره الدونيه للاخرين والامعان فى التعبير عن تفوقهم وفرادتهم. ان السياسيين معرضون للاصابه بهذا المرض الخبيث, خاصة سياسيوا العالم الثالث الذين اقتحموا السلطه بالعنف والارهاب, هذا لايعنى ان سياسيوا ديمقراطيات الغرب والشرق محصنين ضد النرجسيه ولكن حضور مجتمع مدنى ووسائل اتصال جماهيريه تراقب شطحاتهم وتقوم بنقدها وتوضيح خلفيات سلوكياتهم. انهم بنفس الوقت يتفادوا ان يكونوا اخبار متداوله للفضائح وقلة الذوق والسلوك غير السوى. وبنفس الوقت انهم حريصون على اعادة انتخابهم وبقائهم فى السلطه.
ان سياسيوا العالم الثالت, فى اوطاننا العربيه والشرق بشكل عام قد استولوا على السلطه غالبا عن طريق الانقلابات العسكريه او حزبيون بالتعاون مع عسكريون نافذون فى القوات المسلحه بالاضافه الى التعامل مع دول مرجعيه. تاريخيا ان هؤلاء مع بعض النجاحات التى حصلت فى الاصلاحات الاقتصاديه والاجتماعيه يصبحوا نوعية اخرى من البشر الذين اخذهم التصور بان لديهم المهارات والامكانيات والذكاء والحنكه…..الخ يضعوا حدا للتنافس فيما بينهم وينفردوا بالسلطه بعد ان اسسوا نظام امنى مخابراتى مجهز بافضل المعدات ومزود بالصلاحيات الكافيه لبعث الرعب فى الشعب ويقدموا صورة مجسمه للذين يعارضوا النظام اويشككوا فى شرعيته. كانت خلفيات هؤلاء غالبا من شرئح الطبقه الوسطى المعدمه, وكان انفتاح التعليم ودخول البعض الاحزاب السياسيه واخرون الكليات الكليات العسكريه وتدرجوا فى المواقع القياديه فى القوات المسلحه اخذت طموحاتهم فى تصاعد مستمر وتطور لهم وعى واحقيه بالسلطه والتمتع بما تقدم من امتيازات وتزامن كل ذلك مع تصاعد حركه النضال الوطنى. ان الشواهد تشير الى انهم لم يتغلبوا على عذابات الطفوله والفقر والحرمان ومركبات النقص التى رافقتهم وهم السلطه المطلقه فى البلد وقد وظفوا كتاب السلاطين ليسطروا لهم تاريخ ونسب وحسب واصاله بما يوازى عظماء وعباقرة الامه, واصبح احدهم القائد العبقرى الملهم الذى يحسب لكل شىء حسابا دقيقا ويضعه فى موضعه الصحيح الذى لايمكن ان يعتريه الخطأ. ان السيد الرئيس العراقى السابق صدام حسين كان نموذجا متطرفا فى جميع امور الحياة والدوله وبما افرزته عبقريته الفذه من حروب عبثيه افرزت ويلات وكوارث ماديه وبشريه على الشعب العراقى فى جميع محافضاته مازالت تبعاتها واثارها قائمه.
ان السيد مسعود البرزانى هو سليل القائد الثائر السيد مصطفى البرزانى والقبيله الكرديه المعروفه بـ ” البرزانيه” والتى لها حضور بين القبائل الكرديه, ارتبطت وقادت حركة التحرر القومى الكرديه, لقد وضع نفسه وحياته لانتزاع كردستان من المحتلين, مكملا مسيرة والده لتحرير كردستان الكبيره المتشعبه التى قد بدأت بكردستان العراقيه اولا وتأسيس وبناء الامارة البرزانيه. ان الابن البار السيد مسعود لم يقاسى من العوز والفقر والحاجه, وعلى العكس كان يعيش ويتمتع باجواء الحفاوه والاحترام والتقدير التى كان يحضى بها السيد والده. هذه الحاله من المكانه والاهميه كانت محيط تنشئته الاجتماعيه التى افرزت لديه شعورا خاصا بالاهميه والمكانه التى تميزه عن الاخرين وتعرف عن قرب كيفية ممارسه هذه الشعور والاحقيه والمتعه الكبيره والزهو الذى هو فيه وانه انسانا اخر ليس كالاخرين,
وبعد وفاة ابوه قد اخذت هذه الحاله بعدا نوعيا اخر, ممارسة السلطه, تفعيلها وسائلها وادواتها ماديا ومعنويا والحفاظ عليها واستمرارهاواحتكارها بالعائله البرزانيه. كل ذلك حصل من خلفيه التنظيم القبلى العشائرى المتزمت والذى يقوم على التقاليد التى تؤكد على مكانة الشيخ او الاغا وكبار الاقطاعيين. تاريخيا, التحق السيد مسعود البرزانى بقوات البيشمركه وعمره 16 سنه , كان ذلك فى عام 1962 وتدرج فى صفوفها واكتسب مهارات عسكريه وقياديه . التحق الابن مسعود بابيه عند رجوعه من الاتحاد السوفيتى الى العراق وخلافه مع قيادة الثوره 1958التى احتفت به, ولكن الخلافات القديمه قد استجدت وعاد السيد ” الجنرال” مصطفى البرزانى عام 1961واخذ من جبال كردستان منطلقا لانتفاضة تطالب بالحكم الذاتى واستمرت المواجهات العسكريه بين القوات العسكريه العراقيه وقوات البيشمركه لعشرات السنين جاءت بخسائر ماديه وبشريه كبيرة جدا. فى واقع الامر فان الحركات الانقلابيه والتمرد على الحكومه العراقيه قد بدأت مع شيخ محمود البرزنجى 1881-1956 منذ عام 1924 والتى كانت داميه وكارثيه للطرفين. من اجل فهم ماهية القيادة الكرديه واسلوب عملها وعلاقتها الدوليه لابد الرجوع الى التاريخ والتعرف على احداثه وافرازاته. يتبع

النرجسيه والسياسى – السيد مسعود البرزانى نموذجا- 2
ان القيادات الكرديه منذ تأسيس “جمهورية مهاباد “عام 1946 باسناد الاتحاد السوفيتى من موقف اممى وحق الشعوب فى تقرير المصير وقيادة القاضى “محمد” لم تستمر سوى 11شهرا حيث قضت عليها القوات العسكريه الايرانيه بعد التغييرات التى حصلت فى مجمل العلاقات الدوليه ونهاية دعم الاتحاد السوفيتى وصعود الولايات المتحده الامريكيه كقوة عطمى فى المشهد السياسى والاقتصادى العالمى. من ناحية اخرى فان القاضى محمد اعتمد فى حكمه على كبار الاقطاعيين والاغوات ولم يخرج عن الاطار القبلى الذى كان اساسا ضد الجمهوريه, ثم ان الخلافات الكثيره التى نشأة بين القبائل الكرديه والجهل العام الذى كان مسيطرا على مجمل الحاله الاجتماعيه ساعد على تفتيت القوى الداعمه المدافعه عن الجمهوريه والتى انتهت فى عام 1946. ان السيد مصطفى البرزانى قد لجأ الى الاتحاد السوفيتى مع عدد من المقاتلين البرزانيين.
كانت النهايه العنيفه لجمهورية مهاباد لها تأثير على اتجاهات وتفكير القيادات الكرديه والحزب الديمقراطى الكردستانى , كما ان جغرافية كردستان الموزعه بين عدد من الدول التى لم تكن لها مصلحه فى بناء دولة كرديه مما افرز صعوبات كبيره فى تطور وارساء حركة النضال القومى الكردى. لقد افرزت هذه الحقيقه لدي القيايادات الكرديه القناعه بانهم لايستطيعوا بقواهم الذاتيه ان يصلوا الى طموحاتهم القوميه وضرورة مساعدة ودعم قوى دوليه. ان هذاالتفكير قد افرز موقف برغماتى للقيادات الكرديه عملا بمبدأ ” الغايه تبرر الوسيله” فى اخذ مختلف المساعدات اي كان مصدرها, ممن ناحية اخرى فان الاوضاع الاقتصاديه المعقده والتكوين الجغرافى الجبلى لم توفر لهم فرص عمل كثيره يمكن الحياة بها ولذلك انصرفوا نحو عملية تهريب البضائع بين دول المنطقه بعيدا عن رسوم الكمارك. هذا العمل ولسنين طويله افرز لديهم شخصية المهرب “القجغجى”, الهارب, المتخفى الذى يعتبر نفسه مطاردا من السلطه والقانون وبنفس الوقت يحمله الطموح فى دولة قوميه كالتى تحيط بوطنه كردستان, هذا الشعور جعل منه ثائرا يحمل راية الحريه ويبرر لنفسه كل شىء طالما يقدم له ولقومه فائده دون اعتبار للاخرين او ما يترتب عليها من نتائج. مع نجاح ثوره 14 تموز واعلان الجمهوريه جاء السيد مصطفى البرزانى” الجنرال” الى بغداد ولقى من رجالات الثوره ترحيبا كبيرا وتمت بينهم عدة لقاءات لم تسفر عن نتائج ايجابيه وانما افرزت الخلافات مجددا ولم يحصل تعاون او اتفاق حول القضيه الكرديه, وبذلك غادر السيد مصطفى البرزانى بغداد عام 1960 متوجها الى كردستان. فى عام 1961 حصلت حركة تمرد عسكريه مطالبه بالحكم الذاتى. ان عمليات العصيان والمقاومه والانتفاضات المسلحه للحركه البرزانيه استمرت عدة عقود ورغم دمويتها والخسائر البشريه من الاكراد والقوات المسلحه العراقيه كانت فى اطارات محدوده ولم يحصل بين الطرفين رغم وعود عديده لحسن النوايا من الطرفين ولكن لم تحملها عناصر ثقه متبادله وانما ترقب وشك وخوف متبادل ادى الى انفجارات مستمره . لقد دخلت الحركه الكرديه مرحلة نوعيه حينما سخرت قواها ومواقعها الجبليه الحصينه لخدمة المصالح الايرانيه واطماعها فى العرااق. ان قناعة القياده الكرديه بمبدئها البرغماتى وقناعتها بان قوتها الذاتيه لا تقوى لتحقيق بعضا من الاهداف القوميه, وقعوا فى شرك شاه ايران الذى قام بتجهيزها بمختلف صنوف السلاح ودعمها المادى واللوجستى ووعدها لمحاربة الدوله العراقيه ومساعدتها فى الحصول على مطاليبها المشروعه فى العراق وفتح الحدود والاراضى الايرانيه للحركة الكرديه. وفعلا فقد كان المقاتلون الاكراد فى مناطقهم الجبليه الوعره عصية على القوات العراقيه التقليديه وكان الاثر الاكبر لسلاح الطيران, كما ان الحرب لم تقتصر على المقاتلين الاكراد وانم قد شاركت قوات مسلحه ايرانيه بالاضافه الى تجهيز الحركه بمدفعية فعاله ضد الطائرات العراقيه. كانت حربا ضروسا وعنيفة تخللتها تحرير مناطق وخسارتها وبشكل متبادل كانت نتيجته خسائر ماديه وبشريه كبيره جدا من الطرفين.
كما يبدو فان مباحثات سريه كانت تعقد بين وفود عراقيه وايرانيه حول وضع حد للقتال, ومحاولات من الحكومه العراقيه مع القياده الكرديه لم تتوصل الى نتائج, وكما يبدو فان الثقه قد انعدمت نين الطرفيين, خاصة بين الاكراد وقيادة حزب البعث الحاكم. وفعلا تم فى ا عقد اتفاقية الجزائر عام 1975 برعاية الرئيس بومدين وحضرها شاه ايران والسيد صدام حسين نائب رئيس الجمهوريه. ان الاتفاقيه مشينه بحق العراق لتنازله عن نصف شط العرب لايران مقابل انهاء الحرب وتسليم السلاح الذى كان الاكراد يحاربون به, ويدعى صدام حسين بان العراق قد نفذ سلاحه تماما ولم يعد قادرا على الاستمرار. اما الاكراد بعد ان اوقف الشاه السلاح والدعم المادى وعلق الحدود الايرانيه وحصارهم فى مناطق الجبليه استطاع التخلص منهم بكل بساطه ولم يستطيعوا عمل اى شىءا. كان الحركه الكرديه اداة طيعه بيد الشاه الذى قد استخدمها وتخلص منها بعد ان حقق اطماعه فى العراق ومايصبو اليه. انها تجربه ثقيله جديده قامت بها الحركه الكرديه بقياده الحزب الديمقراطى الكردستانى التى كانت عواقبها وخيمة على الدوله العراقيه والحركه الكرديه ايضا, وكما يبدو فان مثيلة لها سوف تحصل لاحقا. لقد اصدر الجنرال مصطفى البرزانى الى وقف العمليات القتاليه لتنظيم الاوضاع الداخليه واعادة تنطيم القوات المقاتله, والبحث عن خلفاء وداعمين جدد, وتمت الاتصالات مع مبوثيين امريكان واسرائليين. ان مقومات اليمقراطيه كالاحزاب والصحافه والنشر …الخ لم تتوفر فى دولة يحكمها حزب قومى يؤكد على انفراده بالسلطه وكل ما يمكن ان يسمح به يكون تحت سيطرته واشرافه وكانت الدعوات للجهه الاشتراكيه اقوميه التقدميه بمشاركة الاكراد والشيوعيين سرعان ما تفلشت بعد ما ادت واجبها فى توجهه ضربة قاضيه للشيوعيين لم يستطيعوا لحد الان لم جراجهم. اما بالنسبه للاكراد فان الحكم الذاتى الذى تم الاتفاق عليه عام 1970 لم يستمر طويلا وتتجدد القتال سنة 1974 ., هذا بالاضافه الى اخلافات التى حصلت بين البرزانيين والطالبيين على اقتسام الحكم وحسابات الاحقيه والتى قادت الى احتلال قوات حلال الطالبانى لمدينة اربيل وانهت القوات العراقيه هذا الصراع لصالح مسعود البرزانى بعدما لجأ الى السيد صدام حسين.
كانت انتفاضة الشعب العراقى عام 1991 لها الاثر الايجابى على الحركه الكرديه فقد انشئت فى الشمال منطقة حضر الطيران بقرار امريكى والتى اصبحت لاحقا مستقله ذاتيا. ان تطور الحركه الكرديه وملابساتها والسنين الطويله لحرب العصابات والضحايا البشريه فى صفوفها كانت على تأثير كبير فى صياغة السيد مسعود البرزانى كقائد عسكرى وسياسى كرئيس لاقليم كرستان الفديرالى والذى سوف يضع بصماته علىجميع مجالات الحياة فى الاقليم وتطلعاته المستقبليه.