23 ديسمبر، 2024 2:48 م

النرجسية من أخطر الآفات

النرجسية من أخطر الآفات

-1-

لا نذيع سراً اذا قلنا :
إنّ النرجسية من أخطر الآفات وأكثرها إجحافا بالناس وبالقيم والموازين…
النرجسية هي التي تدعو أصحابها الى الاستخفاف بذوي المواهب والكفاءة والمهارة …، وازدارائهم وإبعادهم عن المواقع التي يستحقونها لِتَستَأثِرَ هي – بكل مالديها من انتفاخ وزيف – بالعسل تاركة لَهُم العلقم والخنظل ..!!
وكيف تقوم للمجتمع وللدولة قائمة اذا ساد أصحاب هذه النزعة ؟
-2-
 
ويبدو انّ رئيس أركان الجيش في العهد الملكي حينَ قامت ثورة 14 تموز /1958 الفريق (محمد رفيق عارف) كان من هذا الطراز …
كانت نرجسيتهُ ذات درجة عالية للغاية ..،
فقد اكتفى بوعد كاذب يدفع به للرئاسة العليا للدولة ، فأخفى ما كان يجب عليه أنْ يسارع الى الإخبار به عما يتهدد الدولة كلها من أخطار ..
يقول الراحل رؤوف البحراني في مذكراته ص 357 :
” قد حذّره الملك حسين ملك الاردن بوجود مؤامرة في الجيش العراقي مِنْ قِبَل الضباط الاحرار، فأجاب الملك بضحكته الهستيرية المعتادة …
الجيش في جيبي ،
 
اطمئنْ يا صاحب الجلالة من كل ناحية .
فامتعض الملك من إجابته اللا أبالية .
ولمّا أُلقي القبضُ عليه وأُدخل المعتقل قال له اللواء الطيار اسماعيل:
كيف تغافلتَ عن الجيش ؟
قال :
كنتُ على علمٍ بهم ،
واستدعيتُ مَنْ أَثِقُ به وهو عبد السلام عارف، الذي لي دالةٌ عليه وسألتُه :
ولمّا فاجئتُه بما أعلم ، قال :
سيدي أنت تعلم أنّك في أعلى منصب في الجيش وتتمتع بمزايا لم تتوفر في غيرك ،
ونحنُ نُريدكَ على رأس الحكم لاصلاح الحال ،
وطمأنني أنني سأكون رئيس الدولة التي يعتزمون اقامتها ،
فأخفيتُ ما يقومون به ،
وكتمتُه على نوري باشا ،
ورميتُ اللوم على(بهجت العطيّة) ، وانه يختلق مالا صحة له ليشوّه سمعة الجيش …
ولما سمعتُ من الاذاعة يوم 14 تموز البيانات أدركتُ بنجاح الثورة ، ولبستُ ملابسي استعداداً لمجيئهم اليّ، ولما دخَلَ عليّ العرفاء يطلبونني قلتُ لهم :
أما كان … أرفع منكم رتبةً ليأتيني ،
 
فسحبني العريف الى السيارة ،
وأدركتُ انّ عبد السلام كذب عليّ فأتوا بي الى هذا المعتقل ” !!
إنّ نرجسيتهُ كانت وراء خيانتِه ووراء اعتقاله وما حَلَّ به …
لقد كان يكيد “ل بهجت العطية ” مدير الأمن العام ويزعم أنّه يتهم الجيش باعداد مؤامرة تطيح بالنظام ، بينما لم يكن الجيش يستعد لذلك..!!
لقد كان (بهجت العطية) اكثر منه وعياً لمتطلبات عمله ..!!
إن النرجسية قد تدعو الى الافتراء والكيد أيضا وليس الى الخيانة فقط ..
لم تكن ” الوطنية” والرغبة في القضاء على الحكم الملكي البائد ، – بكل ما كان يحمله من مفاسد – هي التي دَفَعَتْهُ الى حجب الاخبار عن كبار المسؤولين في الدولة، ابتداءً بالبلاط الملكي وانتهاء بالاجهزة الامنية…
بل دعاه حُبّْ الذات ، وحَبُّ الوصول الى أعلى المناصب والاستئثار بالمغانم والامتيازات الى الوقوع في الفخ ، ليكتشف بعد ذلك انه كان من اللاهثين وراء السراب …!!
إنَّ هذه القصة قد أظهرت لنا أنّ (عبد السلام عارف) كان يملك القدرة على التخلص من الموقف الحرج ،وابتداع الجواب المقبول الذي ينجو به من الورطة …
وهذه الصفة لم تكن معروفة عنه ..!!
لقد ضحك عبد السلام عارف على محمد رفيق عارف وتفادى شرّه وغَضَبه …
إن أمثال ( محمد رفيق عارف ) و (ابراهيم الداود) و (عبد الرزاق النايف) موجودون في كل زمان ومكان …
ولا يخلو العراق الجديد من اخوانٍ لهم بالرضاعة … دَفَعَتْهُم النرجسية الى نهب المليارات من الدولارات واقتراف أفظع المآثم والمظالم …
نسأله تعالى ان يصون البلاد ويحمي العباد من النرجسيين والانتهازيين
 والوصوليين الذين لاذِمةَ لهم ولا دين .
ومازالت المرجعية الدينية العليا تُطالب بمحاسبة السُراّق والمفسدين ، واسترجاع ما نهبوه من الثروة الوطنية ، ووراءها كلَّ العراقيين النجباء الذين صودرتْ حقوقهم في الحياة الكريمة ، وسرقت أموالهم عنوةً من قبل كبار القراصنة الأوغاد البعيدين حتى الآن عن المساءلة والحساب..!!
[email protected]