23 ديسمبر، 2024 8:35 ص

النخب..والفوضى الدستورية في العراق

النخب..والفوضى الدستورية في العراق

الدول الخارجة من فوضى الانظمة الدكتاتورية الشمولية تمر بعدة منعطفات سياسية واجتماعية خطيرة, تعتمد اعتمادا كليا علىفكر  وثقافة ومنهج وبرنامج النخب السياسية والوطنية البديلة للوضع السابق,
فهي اما ان تقود الجماهير الى بر الامان,واما ان تجره معها الى اوحال الفتن والازمات والعقبات والعثرات المختلفة,والتي يصعب احيانا الخروج منها, ويتعذر معها استرداد المجتمعات لعافيتها مرة اخرى.
كان بودي ان يكون عنوان المقال “العراق دولة بلا نخب”,ولكن انعطفنا بالمقال صوب المحددات الواقعية القريبة من الاحداث الحالية,مع اننا سنغرف من ماعون النخب شيئا لنصبه في سلة الدستور,فهي عبارة عن سبب لنتيجة.
الحديث عن الطبقات الاجتماعية والنخب الثقافية او الاكاديمية والسياسية في البلدان العربية, حديث متشعب ومتذبذب,بين الفردية اي الثقافة الشخصية  المعزولة عن المجتمع(بحكم مواقفها وتوجهاتها السياسية المختلفة مع وجهة نظر الحكومات ومؤسساتها) ,وبين الثقافة الرسمية الشاملة للانظمة العربية,التي استوعبت تحت الترغيب او الترهيب شرائح واسعة من المجتمع النخبوي(المقصود بالمجتمع النخبوي هم ابناء الطبقة الوسطى المتعلمة والمثقفة..لان هذا المصطلح يبدوا انه التصق بشريحة الادباء والشعراء وبقايا عهد الباشوات في اوائل واواسط القرن الماضي ,عندما كانت المدارس والجامعات تعد على عدد اصابع اليد الواحدة,ومحصورة بطبقة الاغنياء والعملاء ومابينهما),مما اضطر العديد من مفكري العرب ونخبه السياسية والثقافية

 الى الهجرة, والانتشار في بلاد الديمقراطيات الحديثة,فكانت حصيلة ونصيب العراق من هذه المؤامرة الامبريالية, المدروسة بعناية ودقة فائقة, هجرات نخبوية جماعية,وخصوصا بعد انسحاب العراق من الكويت ,هذا يعطينا انطباع واضح بأن هذه المجتمعات المفرغة من اعمدتها الثقافية غير قادرة على قيادة نفسها,بل هي بحاجة دائمة لخزينها الوطني المهاجر,الذي استطاع البعض منهم من تطوير ادواته المعرفية,عبر اكتساب المزيد من الخبرات والمعارف الحضارية ,فأصبحت لديه رؤيا ثقافية تحليلية مختلفة تماما عن التجارب المحلية التي عاشها,
ولكن الكارثة وقعت عندما تشتت المعارضة العراقية في الخارج ,بعد سنين من المعاناة والاهمال والعزلة والمحاربة العربية والاقليمية والدولية لها,بقيت فقط فعاليات وانشطة بسيطة للحركات الاسلامية المرتبطة بأيران, او المتواجدة على اراضيها,مما جعل الادارة الامريكية تفكر جديا في خلق توازنات سياسية شكلية,من خلال تشكيل المؤتمر العراقي الموحد عام1992 في كردستان العراق,وبعدها انقلبت على الجلبي بحجة قضايا فساد مالية, ومن ثم اطلقت حركة الوفاق لاياد علاوي عام1995تقريبا,هذه المجاميع السياسية استغلتها المخابرات الامريكية لتكون بديلا هشا للنظام البعثي البائد,بعد وجدت او اوجدت قنوات اتصال مباشرة مع الحركات الاسلامية المعارضة(المجلس  الاسلامي الاعلىبزعامة الشهيد باقر الحكيم,وحزب الدعوة بقياداته المختلفة,وحركات اخرى) ,فتوقعت جهلا  بالحقائق والادلة والاسماء, انها اي هذه الكتل المعزولة عن الشارع منذ عقود, تمتلك نخبا  سياسية وثقافية واعية للعبة الدولية وشروطها,تستطيع على الاقل ان ترسم لنفسها خارطة طريق لمستقبل استعماري مستقر اسوة ببقية دول الخليج,الا ان بذور بريمر الفاسدة اثمرت ماكان متوقعا,من فوضى دستورية متعمدة وغير مسبوقة في تاريخ العراق الحدث,واحدة من هذه الثمار الفاسدة, هو اطلاق اشاعة ان الادارة الامريكية راضية عن حكم الشيعة في العراق,مما ساعد على تأجيج العنف الطائفي في المنطقة,وهو ماكان مخطط له على طاولة ملفات البدائل الامريكية,الا ان الطامة الكبرى جاءت من العائدون من المعارضة بعد سقوط نظام البعث البائد,فقد اصابهم داء النخب المزيفة,مما جعل البعض منهم دون خجل وبطريقة طفولية يتنقل بين المناصب الوزارية يمينا وشمالا,
الموضوع طويل ومتشعب, وسأتوقف عند فقرة او مادة واحدة تم اهمالها او التطرق اليها,بينما هي كانت من المواد الاساسية في كل دساتير العراق السابقة منذ العهد الملكي وصولا الى دستور  مابعد2003
,كان من المفترض ان تقوم اللجان التي اعطيت صلاحية كتابة مواد الدستور العراقي الحديث,بإعادة دراسة وقراءة كل الدساتير العراقية الدائمة او المؤقتة السابقة,
 بغض النظر عن التوجهات السياسية لتلك المراحل,فقد كانت اغلبها تركز على تحديد حركة المسؤول خارج اطار عمله الرسمي,اي انها لم تسمح له بأستغلال السلطة لنهب ثروات البلد, تحت اسماء وهمية لشركات تابعة له او لاحد افراد اسرته,اي لايحق للمسؤول ان يستغل منصبه الحكومي في اعمال تجارية او استثمارية او اقتصادية,ولايسمح له بالتصرف بممتلكات الدولة (نعم تجاوز نظام صدام هذه الخطوط الدستورية الحمراء لكنه كان المثال السيء والديمقراطيون كانوا الاسوء),
فكيف يمكننا القبول او الاقتناع بأن اللجان والكتل السياسية التي اشرفت على كتابة دستورنا الجوال (بين المحكمة الاتحادية وقبة البرلمان ومجلس الوزراء
,بحثا عن مفسرين لمواده المبهمة),
لم تتطلع على هذه المواد المهمة,وتركتها سائبة دون تعليق,كيف تترك المواد المتعلقة بثروات واموال الشعب,بحيث اصبح اغلب المسؤولين العراقيين من اصحاب المليارات,وبفضلهم احتل العراق المرتبة السادسة في قائمة اغنياء الشرق الاوسط(المفترض انها نخب المجتمع),فساد لايطاق واستهتار وتلاعب  فاضح بعائدات نفط العراق, بدا من بعض اعضاء مجالس المحافظات والمحافظين, وصولا الى تورط عدد من اعضاء البرلمان والوزراء, وبعض المحسوبيات في مواقع الرئاسات الثلاث(الجمهورية الوزراء والبرلمان),اضافة الى بقية الموظفين, وفي مختلف المواقع الوظيفية,نهب وعمليات غسيل اموال منظمة, عمولات وصفقات تجارية غير شرعية,هذه السلسلة المتواصلة لاستنزاف ثروات الشعب,تمت تحت راية النخب البديلة عن البعث البائد,فهل هي حقا نخب………
ان الفوضى الدستورية في بلادنا,تأخذ بشعبنا الى الهاوية,فالفساد المالي والاداري سلاح فتاك يطيح بأي دولة مهما كانت الوانها وعناوينها براقة,الم تكن عمليات هروب الارهابيين من السجون(حادثة هروب ارهابيي سجن ابو غريب الاخيرة),دليلا واضحا على خيوط المؤامرة,الم تكن اجهزة كشف المتفجرات المزيفة والفاشلة,وصفقات السلاح الفاسدة,ورشاوى الصفقات الاخرى, هي التي جعلت من الارهابيين يتمادون في استهداف الابرياء من ابناء شعبنا,
اذن دستور ليست فيه فقرة تحاسب الوزير او السفير او عضو مجلس المحافظة او البرلمان,او تحاسب رئيس البرلمان او الوزراء او الجمهورية, تحت مادة من اين لك هذا….او محاسبتهم بسبب الاثراء على حساب المال العام,او مزاولتهم اعمال تجارية,او الجمع بين مهنتين في ان واحد التجارة والوظيفة,لايمكن ان نقبل به بعد اليوم,ولابد من اشاعة روح الامل بضرورة التغيير في الشارع العراقي المتشائم من النتائج المخيبة لاماله,الشعب بحاجة الى استرداد نخبه المهاجرة,لتمارس دورها مع نخب الداخل المغيبة,
 نخب سياسية ثقافية اجتماعية اكاديمية نظيفة اليد,تعيد كتابة الدستور العراقي,وتمارس دورها الاخلاقي والوطني في صياغة عملية سياسية وطنية تجمع شمل الامة ,بطوائفها واعراقها واثنياتها,
بعد ان يقتنع الجميع بأن لاسبيل لاصلاح الوضع العراقي الا بتصحيح وكمال او اعادة كتابة الدستور, وبأن مسألة وقف نزيف الدم في البلاد,تتم بوقف عمليات نزيف الثروات الوطنية المهربة الى الخارج,وبإعادة بناءالعملية السياسية  على غرار الثورة الاصلاحية المصرية الاخيرة, التي اطاحت بالنخب الاخوانية المريضة,(هناك ايضا اخفاقات دستورية معروفة سببت مشاكل كبيرة في مجال النفط وعلاقة الاقاليم بالسلطة المركزية,قوانين الانتخابات والاحزاب,
ارتباط الهيئات المستقلة بالسلطات الثلاث,حل البرلمان في حال فشله دستوريا,رفع الحصانة عن البرلمانيين,تداخل القضاء مع السلطات الاخرى, وتجريده من صلاحياته في ملاحقة الفاسدين,الخ.)……
(النخب تعني ان الدولة لاتخطوا خطوة في اي مجال من المجالات ,الا بعد ان تستشير مراكز البحث والتحليل  والتخطيط والدراسات الاستراتيجية,لا ان تستورد الاجهزة الطبية الحديثة عن طريق طبيب يعمل في احد مستشفياتها او سائق يعمل في احدى دوائر الصحة التابعة لها)