9 أبريل، 2024 7:55 م
Search
Close this search box.

 النخبة ودورها في المجتمع والكوارث

Facebook
Twitter
LinkedIn

النخبة هم خيرة المجتمع في الثقافة والفكر والفن والاعلام والادب ,هم مجس المجتمع لتحسس آلامه ومعاناته ومشاكله ,هم من يتفحص التأريخ والتراث ويمحص الحاضر ويقرأ الواقع لتشخيص العلل والمثالب التي حدثت للمجتمع والدولة لمنع تكرار حدوثها في المستقبل .

 النخبة ليسوا طبقة أنهم موجودون في كل الطبقات وفي كل المهن وفي كل المدن وفي كل القرى, هم اصحاب الحس العالي ,هم اصحاب الاهداف العليا ,هم من يشعر بألام الشعب بمجرد حدوثها ,هم من يبحث ويقرأ ويكتب ليعرف ما يحدث ,يتعرف على الاخطاء والخطايا والكوارث والعلل والمشاكل التي تحدث في المجتمع ويسعى لحلها او البحث عن الحلول لها .هم بين السياسيين والشعب ولكن لا تهمهم مصالح وطموحات السياسيين و ما يهمهم هو الشعب والمحافظة عليه ,هم من يصنع احلام الشعوب ويحولها الى اهداف وينظرها ويكتبها ويدرسها الى افراد الشعب لكي يعي كل مواطن اهداف شعبه وتصبح جزء من حياته.

 هم من يمنع الكوارث ان تدمر الامة من خلال تحويلها اي الكوارث الى درس مجرد درس للعبرة مع الاحتفاظ بقدرات الامة الكامنة. وقد رأينا امما كادت تباد في حروب ومأسي ولكن بفضل وجود النخب الواعية والتي قادت البلاد في الظروف الصعبة حولت التدمير الى بناء ومسحت آثار و نتائج الكوارث وقد رأينا كيف قادت نخب اوروبا مجتمعاتها وبلدانها بعد الحرب العالمية الثانية واستفادت من دروس الحرب القاسية.

  مصر ولكونها كبرى البلدان العربية كانت لها نخبتها وعلى مدى تأريخها ,نخبة تصعد لترى وتعترض في كل خطر يتعرض له مجتمعها ,وتتحدى وتوقف المشاريع الخارجية والداخلية التي تشعرالنخبة انها تشكل خطرا قد يصل الى تدمير الامة ,وقد رأينا كيف تم ايقاف الاستعمار الفرنسي وايقاف الاستعمارالانكليزي وقبلها كيف استطاعت مصر ان تتخلص من التبعية للدولة العثمانية بشكل خاص ,فقد اصبح محمد علي مصريا بتفوق ولم يصنع حاكم قبله لمصر كما صنع محمد علي لمصر حيث اخرجها من عصر النوم والاسترخاء والظلام الى عصر العلم والعمل واليقظة وفتح بوابة ارسال البعثات الى العالم المتقدم ليركب ابناء بلده قطار الحضارة .  وساند نخبة البلد وساندته النخبة عندما شعرت بأنه يقود البلد في الطريق الصحيح وليس نخبة المماليك التي هو منهم ليصنع تأريخ بلد اصبح حاكما له .

كان لنخبة مصر دور هام في تأريخها ,ونخبة مصر متميزة دائما ولم يستطع الحكام مهما كانت قوتهم أن يرغموها على الخنوع والانصياع او على التشتت والضياع او الهجرة الى بلاد المجهول ,وبقيت النخبة قوية تتلاحم في الملمات ومهما عظم الخطر تآلفوا ضده ووقفوا بوجهه حتى يوقفوه عند حده ويجنبوا البلاد والمجتمع شره .رأيناهم كيف التحموا وقادوا الشباب المتوقد حيوية واسقطوا نظاما دكتاتوريا ولم يتركوا المتظاهرين وحدهم في ساحات التظاهر كانت النخبة من المفكرين والفنانين والاعلاميين تقود المجتمع ,وكانت الجماهير الثائرة تحترم نخبتها وترضى بقيادتها لها .ورأينا كيف قادت نخبة الفن والاعلام والفكر والثقافة اسقاط مشروع الاخوان المتخلف  للتأسيس لمشروع اخونة المجتمع المصري مجتمع الثقافة والفن والاعلام والفكر والكتابة والموسيقى ليحجروه في نطاق تفكيرهم الضيق النائم في محاجر الماضي الذي تجاوزته عصور الحضارة والتقدم ولمنع بناء الانسان الواعي .

على الجانب الأخر نرى مجتمعنا وقد تبخرت نخبته كلما سعى النمو الطبيعي للمجتمع كأي مجتمع آخر لبناء نخبته من مثقفين ومفكرين وفنانين واعلاميين وباحثين ,فما كاد العهد الملكي يستقر وتبدأ النخبة بالنمو وتتفتح العقول وتتشبع الاقلام بالحبر وتحرر الصحف وتتشكل فرق التمثيل والغناء وتصدح اصوات الفن وتبث الاذاعة وتضيء شاشات التلفزيون في عهدهم ,حتى تخطفت نخبتنا تيارات الايديولوجيات المتطرفة وادخلتها في اتون التحزبات وجعلتها كبش فداء لصراعاتها ,ومن لم يمت قتلا منهم او اعداما من اجهزة السلطات العسكرية او التحزبية  نفذ بجلده الى بلاد الشرق او الغرب او اعتكف واغلق بابه ليتجنب صراعات السياسة, ليترك البلد بلا نخبة ناضجة واعية قائدة للمجتمع حتى اندثر اسم النخبة في هذا البلد .

وجاءت 2003 ولم يكن داخل البلد من يمكن تسميته بالنخبة القادرة على قيادة المجتمع وانضاج خياراته المستقبلية وتُرك المجتمع الى المحتلين والجهلة والمتخلفين لينفذوا به مخططاتهم المدمرة, لننتهي بمجتمع يسرح ويمرح فيه الدجالون والنصابون من على شاشات الفضائيات مجهولة التمويل والتوجه وهم يعلمون الناس البسطاء قراءة الحظ والسحر وفنون الدجل بل ما يسمونه العلم والادب ,ويعالجون الامراض بالتعاويذ وعظم الهدهد وام سبع عيون ووصفات العصر الحجري بدلا من العلم والطب والجراحة الروبوتية ,لننتهي بأنسان تائه ضائع لا بوصلة توجهه لا يعرف حقوقه ولا يعرف كيف يقوم بواجباته ,يتظاهر وبدل ان تتحقق مطالبه يرضى بوعود كاذبة مخدرة .بلد بلا نخبة ,بلد في ضياع مستمر ,ونشوء النخبة يحتاج الى نمو طبيعي في مجتمع يحترم ويعرف اهمية دور النخبة في المحافظة على المجتمع والدولة والثقافة ,في مجتمعنا من يقوم بدور النخبة هم أدعياء الثقافة والعلم والادب وهؤلاء هم وبال على المجتمع لأنهم يقودونه الى مصالحهم وليس الى تقدمه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب