أن أي شعب من شعوب العالم ، عندما يمر بمنعطف تاريخي حاسم في وجوده الحضاري والإنساني، يبرز اتجاهين في مسار هذا الشعب مسار النخبة الوطنية التي تدفع بالفكر والأبداع وهو مسار ثقافي واحتياج مجتمعي لخلق الحراك الذي يطلق عليها حركة الجماهير الواعية والاتجاه الأخر هو مسار الدولة باعتبارها القابضة على السلطة والمالكة لمؤسساتها التنفيذية ، وحسب النظريات الدستورية المعروفة وهذا ما يمثل نقطة التحول في مشروع الدولة المدنية التي هي الدولة المؤسساتية وهذا يمثل هاجز وطموح النخبة .
أن النخبة المثقفة في العراق والتي ابتليت بالسياسات الفاسدة والحروب العبثية والسياسات الاقتصادية والتي ولدت الأزمات النفسية في المجتمع وعطلت الكثير من الطاقات البشرية وهي تملك مقومات الفكر الإبداعي وتبحث عن فرصة لتقديم العطاء الذي يخدم المجتمع وهذا العطاء مرة يأتي عن طريق فكر أو عن طريق رؤية أو عن طريق ابتكار يخدم المجتمع والشعب وكل هذه العطاءات تحتاج الى جهة أو مؤسسة تحتضن هذه الطاقات الشبابية لتوليد قوة وعي مجتمعي في مسار الدولة وعكسها ضمن المؤسسات الاجتماعية مثلما في دول الغرب وهذا لم يتوفر على مراحل تكوين دول العالم النامية ومنها العراق لعدم وجود الحرية السياسية أو الحرية الدينية والتي هي مفتاح الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ولم تكن الصدمات نتيجة الحروب أو الحصار كافية لبروز مثل هذه الأمر وهي حاجة ورغبة اجتماعية واقتصادية في مضمار النسيج الاجتماعي أولاً وديمومة الدولة ثانياً ، وهي بداية النهضة الحقيقية لخلق ما يسمى (بالكتلة السياسية التصحيحية ) حتى يكون العمل مشروع ومعروف وخاضع للإرادة الوطنية لتغير مسار ونمطية المجتمع من الانكفاء والتبعية الى النهضة والإصلاح .
أن نطاق ومشروعية أي كتلة أو مؤسسة تحت أي مسمى كانت لخلق هذا التيار الجماهيري وترصين أبعاده الفكرية والفلسفية ليكون قادر على التصدي للانحرافات السياسية الضدية في المجتمع أو الدولة ، واستيعاب هذه (التيار الجماهيري ) الذي سوف ينبثق عنه ولادة (الكتلة السياسية المدنية ) والتي هي من سوف تصحح مسار الدولة كمؤسسات خدمة وأعمال سيادة لمجتمع يريد الحقوق والحريات الدستورية الحقيقية وتوحيد رؤيتها ضمن شمولية الأحداث والتي ينظر لها في برامج وأهداف الدولة كواقعية سياسية واجتماعية ،وهناك عدة أفكار يمكن تطبيقها على ارض الواقع الاجتماعي ضمن أولويات ومهام المرحلة الأولى من خلال :-
1- رصد الحالات الاجتماعية وتفسير الظواهر وتقديم الحلول التي تمثل مشكلة او أزمة في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وفق الحاجة والتغيرات الاجتماعية
2- إيجاد وخلق النخبة الفاعلة على المستوى المواطن وإعادة فكرة العمل على المشتركات الثقافية والتنويرية والحد من الثقافة الرجعية .
3- أعادة تقيم كافة المؤسسات التي هي جزء من الحكومة ومدى فاعليتها وفق رؤية المنظور المستقبلي ومدى استفادة المواطن منها وإعادة هيكلة هذه المؤسسات وتقديم أفكار الشراكة مع القطاع الخاص الممول أو المدعوم عند الضرورة التي تخدم المجتمع .
4- وأخيرا وضع سياسة بعيدة الأمد من اجل خلق حوارات عراقية وعربية وإقليمية لتأسيس شركات توظف رأس المال في مشاريع تخدم الأنسان العراقي والعربي من خلال التكامل والتسويق على مستوى البحث والإنتاج والإدارة .
5- التوسع في دعم مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والاقتصادية والقانونية لإيجاد حلول على مستوى المشاكل الأنية أو البعيدة للمجتمع أو الدولة
أن النخبة الاجتماعية التي يمكن تكوينها وتجميعها تحت شرط أساسي واحد تأخذ بشرط الحاجة المستقبلية وتأثيرها العملي في الوسط الشعبي. أن بقاء الحكومات بعيدة عن هموم المواطن سوف تبقي هذه السياسات المجتمع مجرد مجتمع هامشي لا يمكن أن يستمر بالتقدم والمسير نحو الحضارة العالمية القادمة بكل تجلياتها دون تقديم تضحيات على المستوى الفكري والعقائدي لمواجهة الثقافات الغريبة دون بلوغ هذه الحريات والحقوق المدنية وان عدم وجود معارضة حقيقية واضحة على المستوى السياسي لتمثيل الأخر من المجتمع والتي تأخذ من قضايا الدولة والشعب مواضيع للإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد ، كلها تصب في خانة فساد الطبقة السياسية .
أن المرحلة القادمة هي مرحلة صعبة ومرحلة تحدي بكل تجلياتها الفكرية والاقتصادية والسياسية وهي مرحلة خطيرة على وجود ومستقبل الجيل القادم والتي كبر وترعرع في ظل اللازمات والإرهاصات التي هي بداية إعادة رسم الخارطة الإقليمية الجديدة تحت ما يسمى خارطة الشرق الأوسط الكبير في ظل هذه التحديات وهي تحديات صعبة وخطيرة وما على الشعب الذي تمثله النخبة الوطنية إلا أن يعمل من اجل المستقبل والرهان سوف يقع على عاتق الشباب والبروز ككتلة سياسية وطنية من اجل الحرية والأمن والاستقرار والاستمرار كدول وشعوب صاحبة تاريخ وحضارة ومنجز بشري واضح على مستوى العالم والحفاظ على المستوى اللائق لهذه الشعوب من خلال الحفاظ على ثقافتها وكرامتها وكيانها الجغرافي .
أن ابتعاد النخبة الشبابية عن الحدث أو صنع الحدث سوف يحرم الشعب من اي فرصة لتحسين واقعه الاجتماعي والاقتصادي والغالبية العظمى من الجيل الشبابي بعيد عن المسؤولية ،وليس بالضرورة أن القيادة تعني التزعم حتى يكون التصدي للمشهد وأجب المهم من يرى أنه أهلا لهذا التصدي وجب عليه العمل بكل الطرق المشروعة والإمكانيات المتاحة ولا يمكن خلق مجتمع واعي دون وجود نخبة وطنية تتحمل المسؤولية .