ينشغل النحت بإعادة تشكيل التاريخ لينبض حيا متربعا بهدوء وصمت ضاج في المنظور البصري فتمتلأ الامكنة بصوت التاريخ والاحداث وتعود الحياة للشخوص وتتداخل الحكايات لتعيد سرد الزمان والمكان بلغة متجددة.
خطاب الجسد النحتي صورة لا تنغلق يوما بل تبقى لتسرد للمديات رواية ما جرى وتشهق كلمات لماذا, ومن ,وكيف ,ومتى ,واين ، فتكتمل الحكايات بعد سطور قليلة قد ترتكز على حافة النحت وقد لا تفعل لكنها تعيد للذاكرة كل ما جرى لتجيب عن اسئلة ستنطلق حتما جيلا بعد جيل لتكتمل حلقة النمو العقلي والفكري للمكان والاجيال والهدف الجمالي والثقافي من تلك التشكيلات المهمة .
تماثيل عديدة استوطنت انحاء المعمورة وتباينت في براعتها وفنيتها العالية واكتملت في فكرة اهميتها منذ تربعت على عروش اثارة مناطق الاسئلة حولها . تلك الاسئلة اجاب عنها فناننا وهو يعيد صياغة الحياة بشخوص النحاس والبرونز والجبس والخشب مكملا فصلا جديدا في مسيرة من وقف ليقول كلمته في الزمن الصعب والخاص والمتميز ولم يقبل باقل من منصة تسرد لنا قصة لم تكتمل الا بعد ان شاركنا في احداث وتحديث فصلا اخر لها في الزمن الذي يمر بنا فيقطف من ذاكرتنا ما يكمل الحكاية.
سيرة التاريخ التي يسجلها النحت فيأخذ صفة المؤرخ التجسيدي , لا بد ان تبقى بمعزل عن ” السياسة” فلا تتداخل الرغبات لتدمير وشطب وازاحة هذه المجسدات بل توضع في مكان خاص بدل العام لتدل على ما شهده المجتمع من متغيرات واحداث شكلت في المجموع العام سجل الراوي الشاهد على ما جرى دون الركون الى المسكوت عنه من زمن الاحداث المتتالية.
من تمثال الجنرال ” مود” الى الملك فيصل الذي رفع من مكانه وعاد ليمتطي حصانه مجددا الى تمثال الجواهري الذي ركن في مخازن امانة بغداد بعد ان سقى زواره قهوة لا تليق باسمه ولا منجزه الفكري الى تماثيل النظام السابق التي اصبحت ثروة للمحتاجين وهم يعيدون صهر نحاسها ليسدوا حاجتهم من استلاب ثروات بلادهم . ويقف جواد سليم شاهدا على الاهمال الذي طال نصبه الشهير فيما تتساقط اجزاء منه لا يمكن تعويضها يوما وهي تشكل جريمة لا تغتفر لمسيرة فن مميز سجل بصمته الخاصة.
كيف يمكن لنا ان نوقف هدر الزمن ونعيد تجسيد الحياة مجددا باعمال مهمة لتتوسط ساحاتنا ومداخل مدننا وتكون ردا على برابرة العصر الذين حطموا واستلبوا تأريخ العراق وحضاراته في الموصل ومدنها وقصباتها, وكيف نعيد لبراعة الفنان هيبتها دون ان نسهم في تشويه تاريخ الابداع بمجسدات غريبة وبعيدة عن الفن والابداع انتشرت في بعض محافظاتنا دون ان تمر على لجنة متخصصة تجيز هذا العمل او ذاك , فكانت اعمالا تستحق السخرية منها والنقد الذي اسهم في ازالتها من هذا المكان او ذاك فيما بقي بعض منها متحديا ذائقة الجمال والفن وشاهدا على وئد خطاب الجسد وفنيته المتميزة .