23 ديسمبر، 2024 9:29 ص

النجف وشارع الامام الخميني

النجف وشارع الامام الخميني

اطلقت بلدية مدينة النجف الاشرف مؤخراً على احد شوارعها الاساسية اسم الامام الخميني, ووضعت صورته في مدخل الشارع, وذلك اعتزازاً بدوره الكبير في رفع شأن الاسلام من خلال مؤلفاته المهمة, والثورة الاسلامية التي فجرها وقادها والتي اعتبرت اهم حدث في القرن العشرين وكانت سبباً في تغيير موازين القوى في العلاقات الدولية, وظهور الاسلام الحركي كقوة عالمية يحسب لها حسابها في ظل نظام القطبين ايام الحرب الباردة.

كان يمكن لهذا الحدث _اي افتتاح شارع الامام الخميني_ ان يمر بشكل طبيعي لولا ما رافقه من تصرف مريب لمجموعة اعترضت على اطلاق اسم الامام على الشارع النجفي, وحاولت خلق فوضى مستعينةً ببعض وسائل الاعلام المغرضة التي بدورها حاولت تضخيم الحدث والتطبيل له وإلباسه ثوباً سياسياً ارادت من خلاله الايحاء أن الشيعة العراقيين وتحديداً النجفيين يرفضون تسمية شارع من شوارع مدينهم بإسم الامام الراحل, وادخال القضية في اطار(الصراع) العربي الفارسي او العراقي الايراني المختلق!

بدايةً ان الاحتجاج والاعتراض جاء بُعيد (واقعة الدببة) التي هاجم فيها مواطنون نجفيون محلات بيع دببة عيد الحب, وكذلك منع الاحتفال بالعيد المذكور على اعتبار انه لايناسب ثقافة المدينة الدينية. وفي الواقع لا اجد غرابة في ان تكرم بلدية مدينة ما رمزاً من الرموز الانسانية من خلال اطلاق اسمه على شارع او ساحة او مبنىً فيها, ولقد جرت العادة لدى شعوب الامم المتحضرة العمل بذلك, ويكفي ان تسير في شوارع العواصم الاوربية لتجد ذلك واضحاً للعيان. ففي لندن على سبيل المثال تجد

اسم المهاتما غاندي في الشوارع والساحات والبنايات المهمة فيها, وهو الزعيم الهندي الذي انهى الاحتلال البريطاني للهند التي كانت تسمى بدرة التاج البريطاني, وكان لنضاله الدور الاساس في تحرر الشعب الهندي من الاستعمار البريطاني الذي أستمر لعشرات السنين. كذلك تجد اسم الزعيم الافريقي الرائع مانديلا على شوارع امستردام وباريس تكريماً لجهوده العظيمة في انهاء حكم التمييز العنصري البغيض (الابارتايت), بل الطريفة ان تجد تمثالاً للمفكر كارل ماركس او للمناضل الشيوعي الخالد جيفارا في عواصم الدول الرأسمالية وهما من حاربا بالفكر او بالكفاح المسلح الرأسمالية ويعتبران اعداءاً عقائديين للإمبريالية العالمية,ومع ذلك لايجد الاوربيون غضاضة في تكريمهم من خلال اطلاق اسمائهم على الساحات العامة والشوارع.

وما ينطبق على هؤلاء العظماء اجده ينطبق بحذافيره على الامام الخميني الراحل, فبلدية النجف الاشرف حينما اطلقت اسمه على احد شوارعها فإنها اصابت بذلك, لماذا؟

لأن الخميني وقبل اي شيء هو ثائرٌ عظيمٌ استطاع بثورته أعادة مجد الاسلام الخالد. ولأن الخميني فقيهاً ومرجعاً شيعياً طويت له الوسادة, اغنى المكتبة الاسلامية بمؤلفاته القيمة, ولأن النجف مدينة الفقهاء والعلماء والمراجع فهي العاصمة الروحية للمسلمين الشيعة فمن الطبيعي ان تسمي احد شوارعها بإسم فقيه من فقهائها, اذ من غير المتوقع ان تسمي شوارعها بأسماء ممثلين او فنانين او مطربين فهؤلاء لهم مدن اخرى. ولأن الخميني قامةٌ شامخةٌ ورمزٌ من رموز الكفاح الانساني ضد الطغيان والاستكبار فمن حق البشرية اينما كانت وتكون الافتخار به فمابالك بمدينة النجف التي عاش فيها ردحاً من الزمن حتى اصبح إبناً من ابنائها وحق على اي مدينة في العالم المتحضر الاعتزاز والافتخار بإبنها ان اصبح له شأناً عظيما.

هكذا ينظر العقلاء للإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني. اما الذين في قلوبهم مرض ممن مردوا على النفاق فينظرون اليه نظرة التعصب العنصري التي نهى عنها الرسول محمد (ص) بقوله: ” اتركوها فإنها نتنة”.

ولنا ان نسئل المعترضين على اطلاق اسم الامام الخميني على شارع نجفي كيف يفسرون اطلاق الجمهورية الاسلامية في ايران التي اسسها الامام الخميني الراحل اسماء علماء عراقيين على شوارع وجسور وساحات العاصمة طهران؟ الا يعلم هؤلاء ان بلدية طهران اطلقت اسم الشهيد الصدر على اطول جسر ذو طابقين لديها؟ الم يأخذ المعترضون علماً بأن بلدية طهران زيَّنت احد شوارعها المهمة بإسم

الشهيد محمد باقر الحكيم؟ وللأمانة الامرلايتعلق بالموز العراقية فقط, بل سبق وان اطلقت بلدية طهران اسم خالد الاسلامبولي على احد اهم شوارعها مما اثار حفيظة النظام المصري السابق وتسبب بإزمة دبلوماسية بين البلدين! وكذلك اطلقت اسم الزعيم اللبناني المقاوم الشهيد عباس الموسوي على احد شوارعها الرئيسية؟ ناهيك عن اسم فلسطين والقدس الذي يتردد صداهما في كل زقاق وشارع وساحة وبناية في ايران كلها, وأضيف ان اهم ميدان في ايران اسمه ميدان ارجنتين. لماذا لايعترض الايرانيون على ذلك؟ الجواب لأنهم كبقية الشعوب المتمدنة تعتز بنضال وجهاد وإنجازات رموز الشعوب الاخرى بإعتبارهم رموزاً انسانية لاتحدها حدود, هكذا يقول العقل والذوق السليم. لكن ما عسانا نفعل لمن اعماه حقده العنصري او الطائفي او انعدم عنده الحس والذوق!

اخيراً ان هذه المحاولات المشبوهة والمدفوعة الثمن سوف لن تؤثر على علاقة الشعبين الصديقين العراقي والايراني, وان للسيد الخميني الموسوي تقديراً وحباً في نفس كل عراقي حر, بل له دينُ في عنق كل مسلم غيور على دينه, فلولا ثورته الخالدة لبقيَّت شعوب الدول الاسلامية ترزح تحت نير الاستكبار العالمي, ومن ثورته التي هي امتداد لثورة عاشوراء الحسين(ع) تعلم الثائرون المقاومة والنصر رغم قله الناصر والمعين.