19 ديسمبر، 2024 1:49 ص

النجاح للجميع! والعلم لمن اراده !؟

النجاح للجميع! والعلم لمن اراده !؟

شعار طالما سمعناه وتلقيناه بأستهزاء وسخرية لكونه لا يعبر عن التوجه العلمي والتربوي الصحيح لا عقلاً ولا قانونياً ولا اخلاقياً وتعددت الاراء حول اصله وفصله فقال البعض ان اصله روسي وقال اخرون انه اوكراني في حين اتضح ان له جذور هندية وماليزية وحتى لبنانية فكل الجامعات التجارية في هذه الدول تعمل به وتراها تقبل ادنى المعدلات وفي ارقى الكليات وبلا ضابط ولا قيد ولا شرط فقط بمبلغ مالي ونجاح يتحدد في بعض الكليات بنسبة الحضور حيث ان من يحضر فقط وقبل اي امتحان واختبار يحصل على درجة نجاح! في حين ان كليات اخرى تمتلأ بمكاتب لبيع اطاريح الماجستير ورسائل الدكتوراه بل وحتى مشاريع التخرج بمبالغ زهيدة داخل الكلية او خارجها لمن اراد ان يكمل الدراسات العليا او الدراسة الاولية وتستمر قصة النجاح للجميع الى درجة ان النجاح في احد الفصول الدراسية الصعبة نسبياً يتحقق بشراء سيارة للعميد او المدرس الفلاني وكم سمعنا وقرأنا وشاهدنا حالات من هذا القبيل.
كل هذا معروف ومشخص واغلب طلابنا الذين يذهبون للخارج لأكمال الدراسة في هذه الجامعات التجارية يعرفون ذلك بل ويقصدون ذلك (النجاح للجميع!) وعلى الرغم من القيود الكثيرة التي تضعها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لنوعية الكليات واهليتها الا ان الحبل على الجرار في فتح الالف الملفات لألالف الطلبة المبتعثين على نفقة الدولة او على النفقة الخاصة لأكمال الدراسة في كليات (النجاح للجميع!) ونادراً ما نجد طلابنا يبحثون عن كليات مرموقة للتقديم اليها لأنها ستكشف المستوى الضحل لخريجينا هذه السنين العجاف ولا ينجح طالبنا هنالك الا بجهد جهيد وبشكل شبه مستحيل.
لحد الان وبهذه الدرجة عم الفساد العلمي في اصحاب الشهادات الاكاديمية والعليا والامر واضح لا جدال فيه فقد اصبح المستوى العلمي لدينا يتناسب عكسياً مع عدد الشهادات العليا المرموق التي تملأ الصحف والكتب وتعلق على الحيطان بلا مردود علمي او عملي لانها نتيجة (النجاح للجميع!) ولكن ان يبلغ الامر بوصول شعارات كهذه الى المدارس الابتدائية فهذه كارثة كبرى! ولكن كيف ذلك!!؟؟
تنتشر على جدران المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية اقوال وشعارات يفترض ان تعبر عن سياسة الوزارة والمؤسسة التربوية والتعليمية لتخاطب لاوعي الطلبة وعقلهم الباطن الذي سيتشبع بهذه الشعارات لا ارادياً نتيجة كثرة قرائتها فهي في وجهه وامام ناظريه طيلة سنين حتى تصبح شعارات ومسلمات لا يسأل بعدها عن مصدرها او حتى عن صحتها من خطأها وتصبح منهجاً لا ارادياً له في حياته وهذا هو الهدف من كتابها اصلاً، اذا ما المشكلة؟
المشكلة هي حين تتسرب شعارات كصاحبنا (النجاح للجميع والعلم لمن اراد) على جدران المدارس الابتدائية واين؟ على واجهة المدارس المقابلة لمديرية التربية او القريبة منها وفي عدة محافظات فهذا امر يستدعي وقفة لتشخيص من وراء ذلك؟ هل هي سياسة وزارة؟ ام انها اجتهادات شخصية لادارات المدارس؟ ام انها ثقافة يراد لها من قبل ايادي خفية ان تشيع وتنتشر لتعم ولو بعد حين؟ لكل احتمال من هذه الاحتمالات تبعات خطيرة علمياً وعملياً واجتماعياً على المجتمع اليوم وعلى فكر وسلوك رجال الغد الذين هم طلاب وتلاميذ اليوم.
هل هو توجه الوزارة؟
تتجه وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي الى استنساخ تجارب دول اخرى في المجال العلمي عسى ان تؤدي هذه السلوكيات الى نتائج مشابهة لما حصل عند الغير من تطور علمي وتكنولوجي كبير ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ان المسؤولين عن التخطيط في هذه الوزارات (ان كانت تخطط فعلاً!) يعرفون قانون (جغرافيا الكلام) في علم الاجتماع؟ اي ان الكلمة والسلوك والفكرة التي تخلق نهضة ومجداً وتقدماً في دولة من الدول وشعب من الشعوب قد تخلق العكس في شعب اخر لا يشابه الاول من ناحية الافكار السائدة والقيم والاخلاق والاسس الفكرية للمجتمع بل وطريقة فهم هذه الكلمة وهذا الشعار؟ فأن كانوا يجهلون ذلك فتلك مصيبة وان كانوا يعلمون فالمصيبة اكبر! فجعل النجاح للجميع والعلم لمن اراد شعار يرفع في دول يتخذ مواطنوها العلم (وليس الشهادة) مقياساً للتفاخر والتفاضل الامر الذي يجعلهم يتسابقون في سبيل تحصيل اكبر مقدار ممكن من العلم في سنين الدراسة، الامر الذي يجعل حتى الضعيف عقلياً وذوي الحظ الادنى من الذكاء يجاهدون للنجاح وبتفوق الامر الذي جعل النجاح عندهم حصيلة حاصل للكل لان الكل ينجح لا محالة ولكن التنافس يكون في مقدار ما يكتسبون من علم في الدراسة على العكس مما عندنا حيث ان طالبنا لا يهتم (الا ما ندر) بما يتعلم بل بكيف ينجح وبأسهل الطرق الممكنة بالغش او بالتوسط او بالتحايل على القوانين وبالدور الاول او الثاني او العاشر حتى فلا فرق! خصوصاً ان وزراتنا العريقة تريد نجاحاً رصيناً بزيادة الادوار ومنح الدرجات بقرارات رصينة لأعانة الكل على النجاح وبلا ثمن!
هنا تكمن المشكلة الكبرى في تطبيق قانون يعاكس توجه الطلبة الفكري ويؤدي الى انحطاط المستوى التعليمي لشعب كامل فلا يمكن ان نتوقع نتائج جيدة من قانون يساعد المتسيبين على تسيبهم والمتقاعسين على تقاعسهم بل وحتى من يريد ان يجتهد في دراسته سيحبط حين يجد نفسه يتساوى مع غيره من (النائمين الى الظهر!) وما يعاضد المشكلة ويؤزمها ان التعيين عندنا لا يتحدد بالمستوى العلمي بل بمعايير اخرى من عرف وواسطة وابن فلان وقريب فلان ونسيب فلان فترى المجتهد الذي يفترض ان يتعين اول واحد يبقى ينظر الى غيره ممن هم ادنى من ان يتخرجوا وقد تعينوا واصبحوا مسؤولين بين ليلة وضحاها!.
هل هي اجتهادات من ادارات المدارس؟
ان كان الامر لا يتعدى اجتهادات من ادارات المدارس لكتابة شعارات كهذا واعتمداها لول ضمنياً في السلوك التربوي مع الطلبة فهذا يؤشر ظاهرة خطيرة وهي ضعف سيطرة التربية كوزارة على مدراسها ومؤسساتها التربوية ويؤدي بالنتيجة الى تباين نوعية وكمية خريجي هذه المدارس فمن مدرسة تطبق هذا القانون كشعار وينجح الكل فيها الى مدرسة اخرى متشددة ومنظبطة ويرسب الاغلبية (خصوصاً في زمن الانترنت والنقال والاي باد والاي فون والقنوات الفضائية وبرشلونة وريال مدريد ووووو غيرها الكثير من الملهيات) الامر الذي يخلق فجوة علمية بين هؤلاء واولئك مما ينعكس سلباً على العملية التعليمية ككل.
ايادي خفية!
تتجه بعض الاراء الى ان الامر مقصود من جهات معينة هدفها التخريب حتماً ولكن من هم؟ ولماذا؟ والى متى؟ وكيف الحل؟ هذه اسئلة يتوجب على اصحاب الشأن ومن يهمهم الامر والمختصين والمتابعين والمسؤولين وكل من يمت للعملية التربوية بصلة ان يجيبوا عنها وحبذا لو كان هذا قبل فوات الاوان!

أحدث المقالات

أحدث المقالات