ان نتائج الانتخابات التي اعلنتها المفوضية العليا المستقلة يوم أمس ليست هي النتائج الحقيقية التي خرجنا بها كمحصلة لهذه الممارسة التي بدأت غريبة على مجتمع المثنى المتخم بالدكتاتورية حاله في ذلك حال جميع مناطق العراق و انتهى بها المقام عملية اكثر نضجاً ينتظرها الناس كل اربعة اعوام ليقوموا من خلالها بتغيير وجوه و الابقاء على أخرى . ما اسفرت عنه انتخابات محافظة المثنى هو شيئاً آخر يختلف عن ما تلاه علينا موظف المفوضية الذي ظلم محافظتنا في تسلسل القراءة حيث جاءت ما قبل الاخيرة في تسلسل قراءة النتائج بينما هي ثاني اعلى محافظة في نسبة المشاركة في التصويت. ومن يتعمق في تحليل المعطيات التي افرزتها الانتخابات يجد ان قرارات الجماهير لم تعد تساق تحت تأثير الوعي الجمعي كما الفناها في الممارسات الانتخابية السابقة. بل ان هناك اكثر من مؤشر ايجابي يبعث على التفاؤل في ان هذه الجماهير بامكانها التخلص من المؤثرات التي ظنت الاحزاب المتمرسة انها تتقن تسليطها في الوقت المناسب لتوجيه ذلك الوعي بما يعود عليها بالمزيد من الاصوات تارة بشحن تلك الجماهير طائفياً و تارة باطلاق الوعود الغير قابلة للتنفيذ و بالتمويل الهائل الذي لا يترك للمستقلين فرصة للمنافسة تارة ثالثة.
نتائج هذه الانتخابات اثبتت ان تفكير الاحزاب لم يتطور البتة, والذي تطور هو اسلوب تفكير الناخب حيث اصبح الأخير يبحث عن مصلحته هو و يصوت للمرشح الذي يراه قادراً على ان يحقق له شيئاً ما بصرف النظر عن الحزب او التيار و العشيرة التي ينتمي اليها ذلك المرشح. ومهما تكن المصالح التي يروم الناخب تحقيقها بسيطة و غير مهمة او لا تحمل اسباب الديمومة فانها تعطي مؤشراً مطمئناً ان هناك بصيص من الأمل في أن جماهيرنا العزيزة على اختلاف مستوياتها الثقافية تمتلك ارادةً حرة و لا تخضع للضغوط التي يمارسها الراسخون في التحضير للانتخابات تحت اغطية عدة.
ولمن يهتم بقراءة مابين السطور, هذه هي النتائج الحقيقية لمحافظة المثنى:
غياب للأحزاب المتنفذه و فوز للمستقلين
مخطئ من يعتقد ان حزب الدعوة الاسلامية قد فاز بانتخابات محافظة المثنى, فمن خلال متابعة الاسماء نجد ان من بين الثمانية مقاعد التي حصل عليها ائتلاف دولة القانون لم يفز سوى السيد محمد حسوني جودان من حزب الدعوة و باقي الفائزين هم جميعاً اما مستقلون او من احزاب اخرى أئتلفت مع الدعوة تحت مضلة دولة القانون. والمجلس الأعلى الذي يعيش نشوة الفوز هو بالحقيقة لم يحصل الا على مقعد واحد للسيدة خديجة وادي و بقية الفائزين هم جميعاً مستقلون بعيدين كل البعد عن ايديولوجية ومنهج المجلس الأعلى .
غياب للرمزية العشائرية
لم يعد للرمزية التاريخية تأثيرا على قرار الناخب العشائري في محافظة المثنى. و الدليل ان عشيرة البركات لم يصوتوا للسيد باسم خزعل خشان الذي لم يتمكن من المحافظة على الاصوات التي حققها شقيقه عضو مجلس المحافظة السابق لثلاث دورات حاكم خزعل خشان . و معروف ان الشيخ خزعل خشان هو رمز و شيخ لعموم عشيرة البركات. والمثال الآخر هو السيد حسين العلي الحاج عجة الدلي الذي هو الشيخ العام لثلاثة عشر عشيرة لم يتمكن من منافسة السيدة خديجة وادي .
تخلي جماهير التيار الصدري عن رفاق السلاح
مقاتلو التيار شديدي البأس والمعروفين بانضباطهم العالي في التصويت لم يصوتوا لرفاقهم في النظالين السلبي و الأيجابي. نعم انهم فازوا بثلاث مقاعد لكن مقعدين من الثلاثة ذهبا الى مستقل و امرأة. وهذا يؤشر الى ان الاستراحة التي اخذتها جماهير التيار الصدري ليست استراحة مقاتل و انما هي استراحة ابدية انستهم رفاقهم في السلاح.
نساء المثنى ينتصرن على تقاليد الصحراء
الفوز المدو الذي حققته مرشحة دولة المواطن السيدة خديجة وادي اثبت ان جماهير محافظة المثنى ذات الطبيعة الصحراوية و المحسوبة على البادية الجنوبية انتصروا على التقاليد البدوية التي تجعل الرجل اولا في كل شيئ. فالسيدة خديجة لم تكن بحاجة الى كوتا المظاليم و تفوقت على اغلب مرشحي قائمتها. نقف جميعا و نرفع القبعة للسيدة أم علي التي تمكنت من اقناع الآلاف بالتصويت لها بينما فشل الكثيرين من المحسوبين على الصقور .