22 ديسمبر، 2024 6:15 ص

ان الذي يحدوني الى كتابة هذه الاسطر ليس ما يحدو سائر الناس.. انني لا اكتب بغية الحصول على اعجاب او مدح او ذم او انتقاص من الآخرين، رغم اني ممتلئ النفس بهذه المعاني، بل كونها في نظري من الأمور المعيبة التي تدل على صغار، لذلك اتطلع الى ان اكون صادقاً مع نفسي… وسأقتصر على تسجيل الحقيقة، متحاشياً الاعيب الصحافة والأدب والبيان، فأنا لست اديباً على كل حال، فالأمر لا يتطلب البلاغة والإيحاء او الكناية والتلميح بقدر ما يتطلب الصدق والوضوح في التعبير… لأنه يعد بمثابة شهادة أمام الله والقضاء والتاريخ، ولكونه يتعلق بحياة انسان مهدد بالخطر.

قبل الولوج في الموضوع لا بد لي ان ابين بعض الأمور اجدها غاية في الأهمية، اولها انني اختلف مع الدكتور نبيل جاسم بالتوجه السياسي جملة وتفصيلاً، ولم ولن اتفق معه بالذوق السياسي العام والميول الفكرية كآراء سياسية مستقلة من الطرفين بعيداً عن الانتماء، فكلانا مستقل (مكطمين سياسياً وليس عشائرياً) ونتفق ونتطابق بحبنا للعراق.

ويجب ان اذكر على سبيل العلم بالشيء بأن (الدكتور نبيل جاسم واصحاب القرار في شبكة الاعلام العراقي ومن اتى بهم “مع حفظ الالقاب والمقامات” لم ولن يبلغوا نفعي ولا ضري، ولم يستطيعوا على شيء لم يكتبه الله تعالى لي. فقبل نحو ربع قرن من الزمن من حياتي المهنية في صاحبة الجلالة والسلطة الرابعة.. استقرت محطتها الاخيرة في شبكة الاعلام العراقي، ومنذ سبعة عشر عاماً تسنمت مناصب متعددة اصالة ووكالة وانابة، منها مديرٌ للبحوث والتطوير والتخطيط والقناة الوثائقية والبرامج السياسية والفضائية العراقية ورئاسة شبكة الاعلام العراقي. فإن كان للنفس فيها شيء فقد تذوقتها جميعاً، وعلى الصعيد الاكاديمي فقد مارست التدريس في الجامعات العراقية وصولاً الى عضو مناقش للعديد من رسائل الماجستير في الاعلام والسياسة واكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد، وحصلت على شهادات بدورات من معاهد عالمية في اسطنبول ومنها شهادة (ادارة المؤسسات الاعلامية) من معهد بكين للتطوير الاعلامي والاداري في الصين.

وترأست الوفد العراقي الاعلامي في مهرجان الاعلام العربي بعمان والمهرجان العربي للاذاعة والتلفزيون بتونس، ومثلت العراق في مؤتمرات اعلامية عالمية وعربية اهمها مهرجان دمج وسائل الاتصال بوسائل الاعلام الذي اقيم في الاردن برعاية الاميرة سمية بنت الحسن انا وزميلي الاعلامي عدنان الطائي. ولمدة عامين انتُخبت بالاجماع نائب رئيس لجنة برامج الاذاعة والتلفزيون العربية في اتحاد اذاعات الدول العربية بتونس.

وقد امتلأت النفس بهذه الانجازات المعنوية والمعرفية وهذا لعمري يدعوني الى الاعتزاز والفخر والزهو احياناً، فلا حاجة لي اكثر من ما وصلت اليه… ولا اريد ان اخسر هذا التاريخ بكتابة هذه الاسطر اذا ما اراد البعض ان يفهمها ملقاً او تزلفاً.

بعد ما حدث من تداعيات ومهاترات عن برنامج المحايد ولغاية اليوم كنت في صمت مطبق لا اتجه الى احد بكلمة، متحفظاً على ابداء اي رأي، فلي موقفي ازاء ما حدث فوجدت بالصمت وسطية واعتدال… الا ان ما اثارني اتهام الدكتور نبيل جاسم بكتابة المقال المشؤوم (صفحة الغدر والخيانه) نعم (الخيانه) بالهاء وليس بالتاء المربوطة… فضلاً عما جاء به من معان تودي بحياة الرجل، فقد استبد بي اضطراب انساني هذه الليلة حتى قادني الى حالة من القلق والهياج بلغت من القوة اصبحت مسهداً لا اعرف الى النوم سبيلا،وبواعز ضمير حي، كان لابد لي قول الحقيقة، فكان شفيعي الوحيد ان اكتب هذه الاسطر.

وبصرف النظر عن الاخطاء اللغوية والاملائية الواردة في المقال المشؤوم والتي تعد جرم كبير في الصحافة وكما تعلمون ان جميع الصحف يعمل فيها مدقق لغوي ومصحح املائي (تضرب اليهم اكباد الإبل) لا يتركون شاردة او واردة، يقضون اكثر من حراس البوابة، كيف يوافقون على مقال تافه وسخيف الى حد يشعر المرء بالغثيان لكثرة اخطائه اللغوية والإملائية.. وهذه من المسلمات عند القاصي والداني.

فيما يتعلق بشخصية الدكتور نبيل جاسم فقد عرفته وانا طالبٌ في المرحلة الرابعة كلية الآداب قسم الإعلام جامعة بغداد وهو حاصل على شهادة الماجستير في القسم نفسه ولغاية اليوم، تباعدنا حيناً وتقاربنا حيناً، عملنا عن بعد وعن قرب، اختلفنا في الندوات والمؤتمرات والاطروحات في الصحف ومن على شاشات التلفزيون… الا ان الرجل لم ولن يوجد بقاموس حياته ومفرداته معنى للعنف والمشانق (كما ورد بالمقال المشؤوم)، يكره الظلم والاستبداد، يرى البشر عائلة واحدة، ولا يحب ان يراق دم نملة، رجل يميل الى الحب والترافة والاناقة، لا يربطه بالعنف والدم والمشانق صلة رحم او قرابة لا من قريب ولا من بعيد، هكذا عرفته نبيلاً لا يحمل الكراهية، ولا يعرف الحقد طريقاً الى قلبه، ولا يملك الرغبة في الانتقام مع الدّ خصومه، وحسبك بأبناء جلدته في الانتفاضة الشعبانية.

لم يكن نبيل معارضاً للنظام، بل كان حاله كحال اي فرد مبدع شيعي (شاعر، اديب، فنان او صحفي) تمتد جذوره من جنوب العراق من الناصرية الفيحاء.

والدليل الدال على توجه الرجل وميوله السياسي وانا اتكلم بالوثائق كما همشها دكتور نبيل بخط يده (فكرة ممتازة) على اصل كتاب مقترح لانتاج سلسلة من الأفلام الوثائقية تهدف الى فضح الاساليب الوحشية للنظام المباد في التعامل مع العقول والكفاءات ومعارضيه… وتدوين وتوثيق مرحلة مظلمة من تاريخ العراق وارشفتها من خلال تسليط الضوء على مجموعة من (المجانين) الذين فقدوا عقولهم جراء ممارسة ابشع اساليب التعذيب والأكثر رعباً في التاريخ من شمال العراق الى جنوبه ومنهم ابطال الانتفاضة الشعبانية والعمل جار في مديرية الأفلام الوثائقية وسيرى النور قريباً ان شاء الله.

انني ادرك ان الظلم لا يدوم (وان الله ليس بظلام للعبيد) وهنا لا بد من التذكير والتبارك بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من اعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي)… فالرجل رب لأسرة من زوجة وبنت تنتظره، وام بار بها عاش في كنفها بعد رحيل والده مبكراً تدعو له وهو ناصب جهده كي ترضى عنه.

يا سادتي النبيل جاسم بريء من هذا المقال براءة الذئب من دم ابن يعقوب والله على ما اقول شهيد.