26 نوفمبر، 2024 8:26 ص
Search
Close this search box.

النبوة حقيقة أم وهم 2/2

النبوة حقيقة أم وهم 2/2

حصل سهوا أني لم أنشر في وقتها الحلقة الثانية من هذا الموضوع، حيث نبهني إلى ذلك سؤال أحد المتابعين المحترمين مشكورا عن الحلقة الثانية، لذا أنشرها لاحقا.

حسب ما مر في الحلقة الأولى، تبقى إذن مسألة النبوة من الناحية العقلية من الممكنات، فلا هي من الممتنعات العقلية كما يذهب إليه بعض اللادينيين، ولا هي من الواجبات العقلية كما يذهب إليه الكثير من الدينيين العقليين، ولذا فلا يقين فيها لا إثباتا ولا نفيا، بل تبقى قضية ظنية، من وجهة نظر العقل المجرد، أي المحايد دينيا. ولكن ربما يقال لخطورة القضية، لا بد من الالتزام بلوازم النبوة والوحي والدين، وترتيب الأثر على ذلك، وإن كان القطع فيه أمرا ممتنعا من الناحية العقلية. هذا بالنسبة للنبوة العامة، أي كمفهوم، أما بالنسبة للنبوة الخاصة، أي كمصداق، كنبوة إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويحيى وداوود وموسى وعيسى وبطرس (پيتروس) ومحمد وأحمد وبهاء والباب، فإنه إذا ما صحت، فلا بد من التثبت من توفر ثمة شروط، لا يثبت صدقها إلا بها. فلنظر ما هي هذه الشروط:

البشرية: أن يكون من البشر، وليس من طبيعة غير طبيعة البشر وبمؤهلات خارقة عن الطبيعة وفوق مقدور البشر، ليتحقق له أن يكون أسوة صالحة للمخاطَبين بدعوته فيما يدعو بها إليه.
العصمة: وهي ليست كمالا مطلقا، بل كمال نسبي، وبالضبط هي الكمال الإنساني الممكن الذي يتناسب مع خطورة المهمة الإلهية التي يضطلع بها النبي، ومع اختيار الله سبحانه وتعالى لشخص النبي، الذي لا يخطئ لعلم الله المسبق بأحوال عباده، والذي لا يمكن أن يقع على من لا يكون مؤهلا، كأن لا يتمتع بقدر كاف من الذكاء، وحسن الاستيعاب، وأمانة ودقة التبليغ، وحكمة الخطاب، والوعي الاجتماعي، والصفاء الروحي، والخلق السامية، وانشراح الصدر، والحلم، والانسجام فكرا وعاطفة وسلوكا مع روح الرسالة المكلف بتبليغها. وإذا كانت العصمة بهذا المعنى النسبي ممكنة التحقق في أي إنسان بقدر أو بآخر، فهي واجبة التحقق عقلا في حال اختيار الله لإنسان ما لمهمة إلهية كالنبوة أو غيرها، وإلا فلا يبقى معنى لتدخل الله في اصطفاء أشخاص غير مُصفّين أنفسهم من الشوائب المخلة بدورهم الخطير والتكليف الإلهي.
العقلية والعقلانية والإنسانية: أي ألا تكون دعوته مشتملة على ما يتعارض مع ضرورات العقل الفلسفي منه والأخلاقي، فلا تكون دعوته خرافية، ولا ناسبة إلى الله ما لا يليق به تعالى، ولا ظالمة للعباد، متعسفة بهم، مهينة لكرامتهم، مفاضلة ومميزة بينهم بما لا يجوز التفاضل والتمايز، متشنجة تجاه غير المقتنعين بالدعوة، عنيفة في مواجهتهم بلا مبرر معقول، ولا محملة المؤمنين في لوازمها ما لا يطيقونه من تكاليف مبالغ فيها. على ضوء هذه المعايير يخلص التنزيهيون إلى نفي صدق المصاديق المدعاة لمفهوم النبوة، بسبب تحقق التعارض على أنواعه المذكورة، وغيرها، مما سيرد تفصيله.
ولذا وبعد فحص المصاديق [أي الأمثلة التي بين أيدينا] للنبوة والوحي الإلهي، يصل بنا الفحص والتحقيق بأن النبوة، التي قلنا إنها كمفهوم من الممكنات العقلية، فإنها كمصداق أو مصاديق من الممتنعات العقلية.

أحدث المقالات