لكون أصل التبليغ ليس إلا ممكنا عقليا، فإنه إن ثبت، تبقى طريقة التبليغ التي هي النبوة من قبيل الأولى، ممكنا عقليا، لا يثبت العقل المجرد تحققها، كما وليس بمقدوره أن يثبت نفيها، من حيث المبدأ والمفهوم، إلا إذا انتفت بوجوب نفي مصاديقها المفترضة. دون أن يعني أن الممكن العقلي لا يثبت في الخارج، فأنا كاتب هذه السطور، كما وأنت قارئها، كل منا وجود ممكن، لكننا موجودان فعلا، ووجودنا متحقق في الواقع الخارجي، كما كان من الممكن أن أحدنا أو كلانا لم يكن قد خرج من حيز العدم إلى حيز الوجود أبدا، أو من حيز (الإمكان) النظري إلى التحقق الفعلي في الواقع، كما أن كلا منا كان عدما لكل الزمن الماضي منذ الأزل حتى خروجنا إلى الحياة، وسينتهي وجودنا – على أقل تقدير بصورته الدنيوية المادية الحالية – يوما من الأيام. والنبوة كما سنفصل أكثر من حيث المبدأ ممكن عقلي، تحقق ظاهرا عند المصدقين به، أو ادعاءً عند مدعيه، ولا بد من التثبت من تحققه واقعا وتصديقا، أي بمعنى التحقق مما إذا كان الأنبياء حقا مكلفين من قبل الله، مبعوثين، وموحى إليهم منه تعالى، أو أنهم مُدَّعون بها غير صادقين، أو هم صادقون متوهمونها عبر هلوسة أصابتهم، كما يرى فريق من اللادينيين، أي الذين ينفون النبوة العامة كمفهوم، أو بعض منكري دين محدد، وبالتالي نبوة خاصة كمصداق. ولذا فإن طرح السؤال عن النبوة؛ أواجب عقلي هي، أم ممتنع، أم ممكن عقلي؛ إن هذا يمثل سؤالا مركزيا للمذهب العقلي-التأويلي-الظني [الذي كنت أعتمده وقت كتابة هذه المقالة].