18 ديسمبر، 2024 6:49 م

الناكصون على أعقابهم من(رجال)صدام حسين

الناكصون على أعقابهم من(رجال)صدام حسين

بعد احتلال البلاد في 2003, أثيرت قصص ووقائع كثيرة عن مسؤولين في النظام السابق,(تبرّعوا)!! بتسليم وثائق بحوزتهم, أو مخبأة في أماكن لا يعرفها غيرهم, وهي تعود للدوائر التي كانوا يديرونها, إذ سلّموها للمحتلّين أو حثالاتهم, مقابل عدم ملاحقتهم, وأحياناً بلا أيّ مقابل, بل فقط لغرض؛(تحسين السمعة)!!, و(اثبات الولاء),لـ(عمّهم)!!الجديد. وبعد افتضاحهم, بدأ كلُّ واحد منهم, يرمي التهمة على غيره, ويحاول بشتى الطرق, أن يبرّئ نفسه من هذا العار؛ عار خيانة الأمانة. وبعضهم يختلق أحداثاً وتواريخ وهمية لتضييع الحقيقة. فهم ينطبق عليهم المثل الشعبي؛(غراب يقول لغراب..وجهك اسود)!!.وكما يقولون: (الهزيمة يتيمة, ولكن النصر له ألف أب)!!.
وممّا لاحظته في مرافعات المحكمة الهزلية التي شكّلها الغزاة الأمريكان لمحاكمة قيادات النظام السابق ورموزه, وكذلك عند ظهور بعضهم في قنوات (اليوتيوب), أو على؛(وسائل التواصل الاجتماعي)الأخرى, هو محاولات كثيرين من المسؤولين السابقين من الخط الثاني, وبعضهم من الخط الأول,(تقزيم) دورهم, بالقول؛ إنه كان فقط مجرد موظف مكتبي(صغير), أو(ساعي بريد)!! عند الرئيس أو عند من يليه, وهذا (التواضع)!! الذي هبط عليهم فجأة, الغاية منه؛ هو التنصّل والهروب من المسؤولية وتبعاتها, بينما كانوا قبل 2003,(يذبحون بالقطنة)!!. ولكن معظمهم نكصوا على أعقابهم, في أول اختبار حقيقي.
فمسؤول كبير مثل؛ أحمد حسين خضير السامرائي, يعرف الجميع إن صلاحياته الفعلية, هي أكبر من صلاحيات أي وزير, ولكنه في المحكمة يقول للقاضي: إن واجبه لا يتعدى تقديم البريد للرئيس!!, وإنه؛(يتبرأ من الجرائم التي ارتُكبت في عهده, والتي لم يسمع بها, إلاّ بعد إعتقاله)!!!. والشئ ذاته فعله؛(الفريق الدكتور)!!عبد احمود, وكأنهما؛(دافنيه سويّا)!!. ولكن سبعاوي ابراهيم ردَّ عليه؛ إنه كانت تأتيهم كتب وأوامر بتوقيع (عبد احمود), ولا يعرفون, هل هي توجيهات من الرئيس, أم منه ؟. فأيّ مسؤول في الدولة العراقية, لا يجرؤ أن يسأل أحمد حسين السامرائي, أو(عبد احمود),عندما يبلّغه بأمر ما؛ شفوي أو تحريري, هل هذا أمر من الرئيس, أم منك ؟.
فقد كان (حسين كامل) مثلاً؛ من الناحية الدستورية, بمرتبة متأخرة في تراتبية القيادة, ولكنه من الناحية الفعلية, كان الرجل الثاني تقريباً, بين 1991-1995!!. وعلى ذكر(حسين كامل),فقد روى لي من أثق به, إنه اتصل هاتفياً عندما كان وزيراً للصناعة, بمدير معمل ألبان أبي غريب, وأبلغه أمراً يخص أليّة تجهيز منتجات المعمل, فأجابه؛ سيادة الوزير, لا يمكننا تنفيذ هذا الأمر على الفور حسب طلبك, لأننا مرتبطون بعقود مع شركات التوزيع, ولكن يمكننا تنفيذه بمجرد انتهائها. فكان جواب (الوزير)؛ اسكت ونفّذ ما قلته لك, وإلاّ قطعت لسانك!!.
نموذج آخر؛ وطبان ابراهيم الحسن, شخص جاهل ومتهتك ورعديد, ولا يجيد سوى القوة تحت غطاء السلطة. ارتقى في غضون سنوات قلائل, من مفوض أمن الى وزير للداخلية!!, وكان ذلك خطيئة لا تُغتفر. وقد بان هزاله في فترة الاعتقال, اذ كان مستعداً لفعل أي شيء مقابل إنقاذ رقبته من المقصلة, ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح وخسر كل شيء, بعد أن استخدمه قضاة المحكمة ومدعيها العام, للإساءة لتاريخ المسيرة التي كان جزءاً أساسيا منها في الحزب والدولة. وكان تصرفه غير الأخلاقي مع رفيقه طارق عزيز داخل المحكمة وأمام عدسات التصوير, في منتهى السقوط والتردي والانحطاط, ذلك التصرف الشائن, والذي لا يقدم عليه, حتى أسفل البشر وأدناهم. وسيبقى وصمة عار في سجل هذا الشخص, والذي تبوأ مناصب لا يستحقها أبدا.
ونموذج أخير, وليس آخرهم, يقول صاحبه؛(ان مشكلته الأساسية, أنه ابن خالة صدام)!!. نعم..فلقد صدق في هذه, لأن تلك (المشكلة)!! نقلته من معلّم ابتدائية بسيط, الى مناصب دبلوماسية رفيعة في أهم أربع عواصم عربية وعالمية؛ واشنطن,[والتي كان له فيها فضيحة, ولكن تمت طمطمتها بسبب صلة القرابة تلك, أو(المشكلة),كما يسمّيها], وموسكو, والقاهرة, ونيو دلهي, وقيادة أهم جهاز في الدولة؛(جهاز المخابرات). فلولا تلك القرابة لكان حاله كحال الآلاف من المعلمين الذين لم يسمع بهم أحد.
وأذكر إن الرئيس صدام حسين خلال اجتماع رسمي في أواسط التسعينات, أشار الى فساده واشتغاله بالربا, وتربحه من ورائه بـ(120) مليون دينار, وعندما تم التحقيق معه, أجاب الموما إليه, اللجنة التحقيقية؛ ماذا أفعل وطبقة البيض بالسعر الفلاني ؟!!. هذا كلام الرئيس عن الشخص المذكور, وهو لم يذكره بالاسم, ولكن اشارته انه كان قبل ذلك معلّما, جعلت الناس يعرفون من هو المقصود.
إن أحد اأم أسباب الكارثة التي حلّت بالبلاد في 2003, والتي ابتدأت فصولها منذ 1990, هو صعود أشخاص غير مؤهلين لمناصب عليا في الدولة والحزب, لاعتبارات القرابة العائلية, أو الدرجة الحزبية. وإلاّ ما هي المؤهلات التي لدى هذا الشخص لكي يتسنّم كل تلك المناصب, ويكتنز منها قناطير مقنطرة من الذهب والفضة. ومن أين له تلك العقارات التي ذكرها في إفادته, ومنها مزرعته على الشارع العام قرب الدجيل, والتي مساحتها أكبر من مساحة(الفاتيكان)؟!!.
وبعد الاحتلال صار من (ضحايا النظام)!!, وقدّم شهادة ضد رئيسه صدام, كانت سبباً في اخلاء سبيله, وفي سنة 2017, ألّف كتاباً عنوانه؛(خفايا المؤامرات الدولية لإسقاط الحكم الوطني في العراق). وهو وأمثاله كانوا أحد أسباب سقوط ؛(الحكم الوطني).
ورغم ان الرئيس صدام حسين, قد حباه الله بمواصفات القيادة التي قلّما تجتمع في زعيم, ولكنه افتقر لواحدة من أهم صفات القائد, وهي؛الحكمة. كما إنه أحاط نفسه بحاشية, معظمهم, ولا أقول جميعهم؛ من الجهلة والمنافقين والانتهازيين, الذين لا يجيدون سوى المديح المبالغ فيه وهز الرؤوس, ثم التخلّي والنكوص في الشدائد والملمّات. وكان يتباهى بأن؛ (حصانة أصغر عضو في حزبه, ترتقي لحصانة سيّدنا عمر بن الخطاب)!!!. والغريب انه عرف حقيقة بعضهم في سنة 1991, وأن كلامهم ليس بمستوى فعلهم, ولكنه أصرّ على التمسك بهم, بعد أن أعاد تدويرهم.
وفي الختام أروي هذه الحادثة التي كنتُ شاهداً عليها, في الأشهر الأخيرة قبل الاحتلال الغاشم, وتبيّن جانباً مما ذكرته آنفا. فقد قمت بزيارة عمل لقائد فرقة في الحرس الجمهوري, وبينما كنت جالساً في مكتبه, دخل علينا شخص مدني يرتدي دشداشة وكوفية بيضاء؛(غترة), وبيده ورقة فيها طلبات تخص مزرعة؛(مسؤول كبير) في المقر العام للحرس الجمهوري, ويطلب تجهيزها له, وممّا أذكره من تلك القائمة, أن من بينها؛ (براميل), فأمر القائد على الفور بصرفها له. وعندما خرج الشخص المذكور, قلت للقائد: أنتم على أبواب معركة حاسمة, وإشغالكم بهكذا طلبات ليس وقته الآن, ثم إن هذه المواد أنتم بأمسّ الحاجة إليها في هذا الظرف. فلماذا لا تبلّغ المسؤول المذكور؛ بأن بعض معيّته يستغلّون اسمه للحصول على مكاسب شخصية, بحجّة إنها له؟.
فكانت إجابة قائد الفرقة, كالآتي: إن هذا الشخص وأمثاله, يرون (المسؤول الكبير), كل يوم تقريباً ويستطيعون أن يقولوا له ما يشاؤون وقد يشوّهون سمعتي إذا لم أتصرف معهم بلطف وألبّي طلباتهم. بينما أنا؛(القول لقائد الفرقة), لا أراه, إلاّ كل شهرين مرّة واحدة.. فلمن تكون الغَلَبَة ؟!!.