ربما…
ذلك العدد من مجلة (دراسات عربية) هو الذي أوصلني الى جورج طرابيشي، وهو يتناول قصص (سميرة عزام )..طبعا لم افهم من المقال إلاّ القليل ، كنتُ في الثاني متوسط ، لكن المقال سحرني ، بماذا سحرني لااعرف ايضا !! ..بعد سنوات سأعرف ان طرابيشي سحرني بأسلوبه في الكتابة ومنهجه في التحليل النفسي ..حين وصلت البصرة رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) 1974 أخبرني يحيى سام آدم : صديقي المندائي ، نقلا عن اخيه الطالب في كلية الطب : هذه الرواية خطيرة وضروري نقرأها ، بعد ايام قصدنا شارع الوطن ، واشتريتُ (أولاد حارتنا ) من مكتبة (دار الكتاب ) فأبتسم الاستاذ ودود صاحب المكتبة ، وهو يراني اخرج كل مافي جيبي من خردة (نقود معدنية) ، كما اخرج ، صديقي يحيى خمسين فلسا من جيبه ، واعاننا صاحب المكتبة، ولم يفتح دفتر الحساب كعادته ،بل اخبرني : (بقى عليك خمسة وسبعين فلس ..) ..يومها كان الدينار العراقي : يعادل دينار وربع كويتي ..وكان(750 فلس) سعر النسخة الواحدة من مجلد أولاد حارتنا ، ذلك المجلد الانيق ، تعلوه لوحة للفنان المصري جمال قطب ..سعادتنا لاتوصف ليلتها ، عدنا الى ذلك البيت الذي كان يومها قصراً، في مناوي باشا ،خلف مدرسة حدّاد الاهلية، قاصدين ابن خالتي وزميلي في الدراسة وفي اتحاد الطلبة (عيسى عبد الجبار) ..
أبتسم ابن الخالة : انا بعدك أقرأها ..
قال يحيى : وأنا بعده …
والطريف بالأمر ،ان يحيى لم يقرأها وأكتفى بالاصغاء ، لذلك الكلام الذي جرى بعد اسابيع بيننا ، في حديقة الأمة ، حول الرواية ، كنا مبهورين بالرواية جدا ،لم نفهما تماما ، لكننا كنا متلذذين بالقراءة !! ربما يحيى هو الذي افسد علينا الامر . وهذا استنتاجي المتأخر جدا الذي توصلت اليه بعد ربع قرن .!! لأنه فك شفرة الرواية بأقل من سطر ، أعني نقل تفكيك الشفرة من أخيه طالب الكلية الطبية ، وطبعا هذا الطالب وصله التفكيك بالتواتر ..وحين وصل كتاب الناقد جورج طرابيشي (الله في رحلة نجيب محفوظ ) في ثمانينات القرن الماضي ، الى مكتبات البصرة ،كانت فرحتي لاتوصف ، فعدت الى قراءة (أولاد حارتنا) ورواية (الطريق) وقصص قصيرة لنجيب محفظ مثل قصة (زعبلاوي ) في مجموعتة القصصية (دنيا الله ) فقد سلّط الناقد طرابيشي ضوءاً اتصاليا بين هذه النصوص ، التي تشتغل على مفهوم المطلق الميتافيزيقي ..