يطأطأ التاريخ رأسه خجلاً، وهو يقف أمام قمة الشجاعة والتحدي والمباديء، التي مثلتها أمرأة عظيمة وقفت تلهم الثائرين صبراً، وتنقل للعالم صورة ملحمة البطولة والإباء، أمرأة شامخة كالجبل، وهي ترى عائلتها مذبحين والأطفال تدوس أجسادهم الخيول، تلملم بقاياهم للحفاظ على الفكر الحسيني الرسالي.
قضية لا يمكن أن تدفن في الصحراء، وهي جود العطاء الفكري الديني والسياسي الإصلاحي، وحملها قلب قمة الكرامة الحوراء؛ لتنقلها الى العالم بأسره.
لم يقصد الإمام الحسين من حمل النساء والإطفال إستجداء العطف، من أعداء لا يعرفون سوى قطع الرؤوس والتمثيل بالأجساد، وإنتهاك الحرمات ونشر الرعب عند الأطفال، لكنه يرى بالسيدة زينب زعيمة كأمها الزهراء، بمنطق والدها أمير المؤمنين، ولسانها قرآن وحجة على العالمين.
قالها الإمام الحسين” شاء الله أن يراني قتيلا ويراهن سبايا”، وهو يعرف مصيره ولا يريد تركهن رهائن في مدينة جده، ويصبحن أدوات لضغط السلطة، بل كانت السيدة زينب في قمة الإختبار، لتفرغ عن صلابة إيمان وشجاعة وصبر، وأماطت اللثام عن الوجوه الكالحة والتاريخ الأسود، وجردت التاريخ عن الأكاذيب ، التي تحجب أبشع جريمة.
ثورة وضعت ركائزها منذ ولادة أول مخلوق، وعُرف الحق والباطل، فجعلتها حبل ممدود الى نهاية التاريخ، وكربلاء ذروة ذلك الصراع الأزلي، ودور العقيلة كشف الحقائق بجرأة، وقسمت العالم الى نصفين، حق وباطل، مروءة وجور، إسلام وجاهلية، رسالة سمحاء ووحشية همجية.
الطاغوتية كانت هي من تدير السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية؛ فكان الإحتجاج العلني محاكمة للمتسلطين، وأمسكت السيدة زينب بيدها مطرقة المحاكمة، وأسقطت أقنعة الفساد والوحشية، وهي تجود ببلاغتها، لإظهار الحقائق والدفاع عن مشروع الأمة.
الثورة الحسينية ليست كبقية الثورات، وقل أُشعِلت شرارتها بمقتل قائدها، وأسدلت السيدة زينب الستار عن مسرحية الهزل التاريخي، وهي تصدح بصمود وصبر لا يُذل، وأشهرت سيف ذو الفقار، وأثبتت أنها أختاً للحسين والعباس عليهم السلام، وبنت فاطمة البتول، وحارسة بيت النبوة، والناطق الإعلامي للثورة.
الأهداف العظيمة يحمل لواءها قادة عظام، وأستحق الإمام الحسين أن يكون للأحرار أباً وللثوار مشعلاً وقمة بالتضحية، وأختار العقلية لتجسيد مشاهد الواقعة بواقعية.
رفع رأس الإمام الحسين على الرماح، وهو في قمة العطاء، وتخاذلت رؤوس أعداءه في الأرض يبحثون عن العطايا، وإرتفع لواء السماء وهو يخط طريق الإصلاح للأجيال، والسيدة زينب تحمل حقائق الشجاعة ورفض الخضوع والخلود التاريخي، وصوتها هو من يجمع الملايين كل عام، للسير على خطاها وهي تحمل راية الثورة.