في اليوم الذي صدر فيه تقرير منظمة الهيومان رايتس ووج الأمريكية الذي إتهمت فيه المنظمةُ الجيشَ العراقي بإستخدام البراميل المتفجرة في الفلوجة وإستهداف مستشفى يعالج فيها جرحى داعش، إتصلت فضائية (الحرة العامة)، في نفس اليوم أي بتأريخ 27/5/2014، بالناطقة الرسمية بإسم المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وهي سيدة مصرية ومقرها في القاهرة.
سألت فضائية الحرة تلك السيدة أسئلة تحمل في طياتها فهماً دقيقاً مشككاً بماهية المصادر التي إستندت إليها المنظمة ومدى مصداقيتها لكن السيدة تكلمت بلغة الواثقة من قرائنها وأدلتها التي لم تكن، بصراحة، رصينة حسب معرفتي الدقيقة بمجريات الأمور عبر الإعلام العراقي بتلاوينه.
لا أريد أن أخوض بالتفاصيل في ما إستندت إليه المنظمة والتي طرحتها المتحدثة بإسمها سوى أن أتناول أمرين يحملان دلالة هامة:
أولاً: أستحضر كلمات قائد عمليات الأنبار اللواء رشيد فليح، في تعقيبه على تهمة إستخدام البراميل المتفجرة عندما طرحها بعض من نواب كتلة “متحدون” المعروفين بتعاطفهم مع الإرهاب بأصنافه بل أعتبرهم، شخصياً، ذراع الإرهاب السياسي. تسائل اللواء: لماذا نستخدم البراميل المتفجرة ولدينا آلاف الصواريخ ذات الدقة العالية وذات القوة التفجيرية الهائلة؟
هنا أستحضر أيضاً كلمات المتحدثة بإسم منظمة الهيومان رايتس ووج التي قالت إن البراميل المتفجرة لها القدرة على التسبب في اصابة أكبر عدد من الناس على مساحة واسعة.
وهنا، أيضا، أرد على السيدة وأقول: لماذا تستهدف الحكومة والجيش العراقي الناس الأبرياء وقد إكتووا بنار داعش فكفروا بالجهات السياسية الطغموية(*) التي تسترت على الإرهاب على طول الخط وورطت الناس وتسببت في تهجير عشرات الآلاف من العوائل من محافظة الأنبار وتوابعها وخاصة الفلوجة؟ وصل حال الغضب من هؤلاء الطغمويين حداً دفع قياديي محافظة الأنبار السادة صباح الكرحوت والفهداوي وفالح العيساوي وهم على التوالي: رئيس مجلس المحافظة والمحافظ ونائب رئيس مجلس المحافظة إلى توجيه نقد لاذع للكيانات السياسية العاملة في المنطقة؛ حتى أن أحدهم قد حذر جماهير الأنبار من إعادة إنتخاب أولئك الذين تسببوا في الأزمة وتداعياتها لأغراض شخصية بحيث أنهم ما أن يفوزوا بالإنتخابات إلا ويغادرون العراق إلى عمان حيث يقومون بجني مزيد من الأموال لضمان عيش رغيد وطويل هناك.
أما كان منطقياً، والحالة على هذه الشاكلة، أن تستفيد الحكومة والجيش من هذا التحول الشعبي بعيداً عن الطغمويين المتورطين بدعم الإرهاب، بدل ضربهم وإثارة حنقهم؟ هذا إذا سلمنا جدلاً بعدم إهتمام الحكومة بسلامة مواطنيها أصلاً.
في الحقيقة أجلت الحكومة الهجوم على الإرهابيين في الفلوجة لمدة غير قصيرة من أجل منح الناس فرصة النجاة بأنفسهم ولإستنزاف الإرهابيين والتعرف على مراكزهم لضربها بدقة دون إيقاع الأذى بالمواطنين الأبرياء.
ثانياً: قال إعلامي فضائية الحرة السيد نشوان حسين للسيدة المتحدثة بإسم المنظمة : ولكن الحكومة العراقية نفت إستخدام البراميل المتفجرة.
ما صعقني هو جوابها الذي جعلني لا أشك في أن لديها، كشخص، دوافع سياسية ضد حكومة الرئيس المالكي. قالت:
“الحكومة السورية أيضاً نفت التهمة.”
بصراحة، لا أحترم هذه السيدة ولا أحترم رأي منظمتها في هذه القضية. كيف لا تميز بين مصداقية الحكومة العراقية المنتخبة وفق المعايير الدولية ومصداقية الحكومة السورية التي تعاني من تمرد خطير تتحمل قسطاً كبيراً من أسباب إندلاعه بداية؟
ولا أقيم وزناً لرأي من يريد إثبات حيادية المنظمة بالقول إنها أدانت داعش أيضاً بإقترافها جرائم حرب. جوابي لهؤلاء: “فد عايزة!!”
وبصراحة، أيضاً، أنا لا أستغرب إنضمام هذه المنظمة الإنسانية إلى جهد اليمين الأمريكي لتشويه صورة حكومة التحالف الوطني بزعامة إئتلاف دولة القانون وقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي. إنني أطلع إسبوعياً على آراء الصحف الأمريكية حول جوانب عديدة في العراق وأطلع على مناقشة هذه الآراء من قبل متخصصين أمريكيين (وأحياناً عراقيين) . وأجد معظمهم منحازين ضد حكومة المالكي وضد المالكي شخصياً (ولسبب “وجيه” سآتي عليه لاحقاً)، فهم يعتمدون النمط التالي الذكي في التشويه:
(السنة يدعمون الإرهاب ولكن المالكي دفعهم إلى ذلك الموقف.)
العيب في هذا الإدعاء:
– لا السنة هم الذين يدعمون الإرهاب بل الطغمويون، وهم لملوم من جميع الشرائح العراقية إنتفعوا سابقاً من السلطة ويريدون إسترجاعها بأية وسيلة كانت.
– ولا المالكي هو من دفع الطغمويين إلى مؤازرة الإرهابيين بتلاوينهم، بل تصميم الطغمويين أنفسهم على إسترداد سلطتهم المفقودة بأية وسيلة وأي ثمن هو الذي دفعهم إلى ذلك المآل المدمر الذي أدانه الشعب عبر صناديق الإقتراع يوم 30/4/2014.
أعتقد أن اليمين الأمريكي الممثل والمتآزر مع شركات النفط وإسرائيل لا ينسون (عكس بعض العراقيين!!) إفشال مخططهم الستراتيجي الكوني حول الإنفراد بقيادة العالم، ولا يغفرون للمالكي إجلاء القوات الأمريكية وإستعادة الإستقلال والسيادة الوطنيتين وكسر ظهر الإرهاب والمحافظة على ثروات العراق النفطية ورفض صيغة “المشاركة في الإنتاج” والنجاح في إعادة بناء الدولة العراقية وتصليب النظام الديمقراطي لمراحل جيدة نسبياً وحمايته من التشويه الدائم، وعدم المشاركة في تدمير الدولة والجيش العربي السوري وإفتعال حرب مع إيران وتصفية القضية الفلسطينية ومحور المقاومة والممانعة وشرذمة الدول العربية وتفتيتها من داخلها ومحاولة التفريط بثمرات نضال الشعب الكردي وضرب التضامن العربي – الكردي لتحقيق وحدتي الأمتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*: للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181