23 ديسمبر، 2024 11:27 ص

الناصرية بين حجين

الناصرية بين حجين

لم يكن يوم السبت الفائت يوما عاديا في تاريخ محافظة ذي قار الحديث ، حين شق حجيج الفاتيكان طريقهم في شوارع الناصرية نحو مقصدهم المقدس بمدينة اور الاثرية ، لتتقاطع خطاهم عند كل مفرق طرق بخطى حجيج الشيعة السائرين نحو كربلاء الحسين عليه السلام ، ففي ذاك اليوم تقاطع على ارض الناصرية حج بحج ، فكرة باخرى ، حضارة بثانية ، عمامة بقلنسوة ، وكأن الله خص هذه المدينة لتكون بوتقة لانصهار رؤى الاديان معا ، و منزلا يستوعب الجميع وجها لوجه وان تفرقت وجوههم وقت الصلاة كل لقبلته .
وانا هنا لست بوارد الحديث كيف تحولت الناصرية يومها الى ميدان يتبارى فيه كل مع الاخر في اظهار مكامن الخير في دينه ومعتقده ، حين ترك بعض شيعة الناصرية مواقعهم في مجالس العزاء الحسيني ليأمنوا لضيوفهم المسيحيين مراسيم حجهم وقدّاسهم ، ثم قابلهم الضيوف بعد ذلك بمثله حين نزلوا وتراب اور مازال عالقا على ملابسهم ليشاركوا السائرين مسيرهم نحو اربعينية الحسين .
انا لست في هذا الصدد الان ، بل يحتم علي منصبي كمحافظ لذي قار ان ابين لكم كم انجزت الناصرية للعراق الكبير خلال هذه الزيارة ، وكيف كانت كما عرفتموها دائما محافظة تعطي للعراق ولا تقف في صفوف المطالبين بلقمة هنا ومغنمة هناك ، الناصرية ايها الاخوة وفرت للعراق في غضون يومين اثنين فقط جهود سنين من العمل السياسي والاجتماعي والدعائي لتحسين صورة البلاد التي حاول التكفيريون تشويهها امام العالم المسيحي بكل  حاضراته المؤثرة في القرار الدولي .
ما انجزته الناصرية لم يك مفتعلا ولم نبالغ بمظاهر الامن واجراءات الضيافة ، كانت مشاعر حقيقية صادقة طفحت على وجوه البسطاء في الشارع وهم يبتسمون لضيوفهم كما تعودوا دائما ، فتلقف الضيف ما في انفسهم وتكشفت له حقيقة المسلم العراقي وجوهره الناصع البياض .
ولا اكشف لكم سرا حين اقول انهم جاءوا الى العراق وفي قلوبهم بعض من خوف تراكم خلال سنوات التغيير الاخيرة ، وهو ما تلمسته عبر طرح الوفد الصحافي الايطالي المرافق لهم ، كان الهاجس الامني يؤرقهم لكثر ما تناقلت اقلامهم اخبارا عن مقتل وتهجير المسيحيين في العراق ، ولكثر ما وثقت كاميراتهم من صور الدماء والدمار في كنائس بغداد ونينوى .
ولكننا هنا في الناصرية سعينا جاهدين الى فرز الامور وفقا لحقيقتها وتسمية الاشياء بمسمياتها ، واكدنا لهم ان الفكر التكفيري والارهاب الذي تسمعون عنه انما هو فكر مستورد لم يعرفه العراقيون من قبل ، وان الحقيقة هي ما ترون باعينكم في الناصرية لا ما تسمعون  .
ولاننا حكومة محلية تؤمن بالاخر كما تؤمن بمبادئها وقيمها ، فقد اكدنا لهم ان الناصرية التي تحشد قواتها الامنية ومقدراتها الخدمية لانجاح زيارة الاربعين حيث معتقد الاغلبية المطلقة في المحافظة ، فانها مستعدة كذلك لان توفر لكم كمسيحيين اجراءات مشابهة تؤمن حجكم وتوفر مستلزمات انجاحه ، وقد باشرنا بالفعل باستحصال الموافقات الاولية لتخصيص 600 مليار دينار عراقي لتنشيط السياحة في المحافظة بما في ذلك عمليات تفويج الحجيج اليها  .
وليس ذاك بمنة من المحافظة على احد وانما تأسيا بالحسين الذي نحج لمثواه اليوم ، والذي كان يساوي بين الجميع ، ويرى الناس اما اخوة له في الدين او نظراء له في الانسانية ، وذاك هو نهج ال البيت في التعايش السلمي والذي يفترض بنا ونحن نحيي ذكرهم اليوم ان نتمسك به ونتعامل على اساسه مع الاخرين .
وانا هنا اتساءل ، كم كان ينبغي على الدبلوماسية العراقية ان تنفق وتتحرك لتقنع مؤسسة الحجيج في الفاتيكان بارسال افواج المسيحيين للحج إلى العراق ، نحن هنا تمكنا من ذلك وستباشر الفاتيكان في غضون شهر او اقل من ارسال اول الوفود الى مقام النبي إبراهيم الخليل ( ع ) في الناصرية .
كما اني اتساءل كم كنا سنحتاج من جهد وعناء لنبث للعالم صور قساوسة ومطارنة وهم يزحفون كتفا بكتف مع شيعة العراق الى اربعينية امام المسلمين الحسين عليه السلام ، نحن هنا تمكنا من ان نسجل على شوارع الناصرية اول خطوات رجال الفاتيكان نحو الحسين .
انا هنا اعتقد جازما اننا نجحنا في ايصال رسالة مهمة الى العالم باسره باننا هنا في العراق قادرون على التعايش مع الاخر دون النظر الى اللون والعرق والمعتقد ، واننا في ذي قار بشكل خاص نعمل للجميع ليكون الجميع معنا فيما نصبو اليه من تقدم و محبة والفة وسلام .
* محافظ ذي قار