المترفون في الناصرية حجمهم اربعة أشبار .
أما فقراؤها فهم بحجم خارطة أثيوبيا .
وبالرغم من هذا .
نصفهم يعرف أين ولدت شاكيرا .
والنصف الآخر يعرف أدق التفاصيل عن راتب عبد الكريم قاسم.
وحدها ( أم عبيد ) .
أمي …
تعرف تفاصيل المناسبة التي اهدى فيها اينشتاين قلمه الباركر الى المندائي عبد الجبار عبد الله.
وهناك أشارات عابرة ذكرتها الواشنطن بوست عن تضاعف مثيلي الجنس في مساءات شارع الجمهورية.
أما الصيف .
وحدهُ القصة الأكثر أيلاما في حياتنا …
عندما طفح الجلد يحول اطفالنا من فراشات الى زنابير.
2
أتخيلهم .
تلك الكروش التي لاتعرف عن البوذية شيئا .
تتخيل أن الجنة حصرا على العشيرة.
يمشون بترافة كعب الحذاء .
فقط من السيارة الى قاعة الاجتماع.
أما الفقراء
الناصرية كلها تمشي معهم
الى قدح الشاي و( التدردم )
3
تصنع العين دمعتها بالاتفاق مع المشاعر .
هذا ما تعلمته من حزن أبي لحظة يَسمعنا نطلبُ المزيد من الخبز في العشاء ،
وكانت أمي ترد : لا شيء لدينا سوى ماعون التمن هذا ، أهجموا عليه جميعكم .
دمعة أخرى كنت أراها في عيون أبي في صلاته ليلة الجمعة .
وقتها كنت قد غادرت طفولتي الى الصبا الذي بدأت اقرأ فيه القصص المدرسية وبعض من حكايات ألف ليلة وليلة
إلا أن قصص الحزن لم تصل الى مسامعي بعد إلا عند قراءة رواية ( ماجدولين أو تحت ظلال الزيزفون ) للمنفلوطي ، وعندما رافقتُ اخي المرحوم ( عبد الأئمة ) الى أول فيلم هندي اراه في حياتي وكان عنوانه ( أم الهند ) ، وقتها عرفت لماذا كان يبكي أبي حين يكون غموسنا الرز فقط والغريب أني شاهدت هذا الفيلم ليلة الجمعة لأجيء الى أبي وأقول له :
لقد شاهدت دمعة مثل تلك التي اشاهدها في عينيك أثناء صلاتك.
وقتها نهرني ابي وقال :
أنا لا أبكي انما تلك أمطار الله في أجفاني ، تأتي لتسقي عطشكم حين تعطشون.
قلت : وحين نجوع ؟
قال : الله يرسل رحمته وأكثرها رحمة وخبزاً تلك التي تهبط في يوم الجمعة.
4
تلك ميثولوجيا حياتنا .
أساطيرها الطين .
وقدر طبيخ صنع في الصين .
أما أعيادها …
فلا شيء.
سوى دشاديش قد تنسرد بآخر يوم العيد
5
والآن .
الصيف .
وقساوة الشمس معكم.
قساوة الذي حمل صك الغفران بنظرته الأمية.
أنت اكثرنا أناقة .
بسبب بدلتك التركية.
لكننا اجمل منك .
بسبب مهفاتنا .
وشاي المقهى.
والبوذي الذي جعل الصيف فينا بيت أبوذية………!