-1-
قال الواقدي :
( كان مصعب بن عمير ، فتى مكة شباباً وجمالاً …… )
وكان أبواه يُحبّانه ،
وكانت أُمّهُ تكسوه أحسن الثياب ،
وكان أعطر أهل مكة ،
وكان رسول الله (ص) يذكره ويقول :
ما رأيتُ بمكة أحسن لِمَّةً ، ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير “
اسد الغابة /ج4/406
وجاء في المصدر السابق، نقلاً عمن سمع الأمام علي بن ابي طالب (ع) يقول :
” إنا لجلوسٌ في المسجد ، اذ طلع علينا مصعب بن عمير ،
وما عليه إلاّ بُردةٌ مرقوعة …
فلما رآه رسول الله (ص) بكى ، للذي كان فيه من النعمة ، والذي هو فيه اليوم …،
-أسد الغابة /ج4/ص407)
-2-
وتتجلّى إنسانية الرسول (ص) وعظمة أخلاقه ، وما انطوت عليه نفسُه المجبولة على المروءة والشمم ، في إرخاء عينية بالدموع ، فانسابت رقيقة شفّافة ، حين أبصر (مصعب بن عمير) وقد تغيّر حالهُ ، فاذا بالثياب الفاخرة تنقلب الى بُردة مرفوعة …
كلّ ذلك بسبب هجرتِهِ وترك أهله المترفين في مكة، فقد كان كما قال البراء بن عازب ، ” أول من قَدِم من المهاجرين “
ولا نُريد في هذه المقالة العجلى أنْ نترجم المجاهد البطل – مصعب بن عمير – الذي شهد مع الرسول (ص) بدرا ، وأُحَدُاً ، واستشهد فيها ، ويكفينا القول :
بأنه من عيون الصحابة ومن أكثرهم مناقبيةً وفضائل –
-3-
لقد عانى ما عانى من شظف العيش، وصعوبات الحياة وقسوتها ، لأنه آثر الايمان ، واختار أنْ يعيش في ظلّه متخليا من كل الامتيازات والنِعَم التي كان في بحبوحة منها …
وهكذا يكون أصحاب المبادئ رجالاً يكتبون الملاحم – ملاحم الصبر والمفاداة والمعاناة من أجل رسالتهم وعقيدتهم – .
-4-
إنَّ الذي حَلَّ بمئات الآلاف من النازحين والمهجّرين عن ديارهم من العراقيين ،على يد عصابات (داعش) ما هو الاّ صورة جديدة من صور الاضطهاد الذي عانى منه مصعب بن عمير في فجر الرسالة .
وإنَّ في موقف الرسول (ص) منه ، بعد أن تقلبت به الأوضاع وصار يلبس المرقوع ما هو الدرس العلمي الثمين الذي لابُدَّ أنْ يعيه كلُّ واحد منا ازاء اخوانه النازحين والمهجرين .
مَنْ منّا بكى لحالهم بمجرد رؤيتهم، وهم ينوؤن بالأتعاب والأوصاب بعد فقدانهم لمنازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم …؟!
ان جوهر الاسلام ، الرحمة والانسانية والرّقة والحنو والعناية بذوي الحاجات …
ومعنى ذلك :
ان مهمة إنعاش النازحين والمهجرين ليست منحصرة بالحكومة والسلطات الرسمية .
إنْ استضافة أهالي (كربلاء) و (النجف) مثلاً ، للنازحين من أهالي (الأنبار) ما هي الا أروع الصور وأسماها عن خُلق العراقيين وكرمهم …
انها صور مشرقة عابرةٌ لكل الحسابات الدنيوية والمذهبية، وتَحَرُرٌ من كل العنعنات التي ما أنزل الله بها من سلطان …
إنَّ الروتين الرسمي حال دون وصول المبالغ المخصصة لكثير من مستحقيها حتى الآن … مع الاسف الشديد –
انهم ينبغي ان يحلّوا ضيوفاً كراماً علينا ، وأنْ نبذل قصارى الجهد لعودتهم الى ديارهم بعد تحريرها من دنس التكفيريين المجرمين .
اننا نقترح على ذوي المهن كافة انشاء صندوق خاص لتبرعات أصحاب كلّ مهنة لهذه الشريحة المظلومة المنكوبة .
ليكن للاطباء صندوقهم ، وللمهندسين صندوقهم، ولرجال الأعمال صندوقهم ….
وهذا أضعف الايمان .
وإنّ من أعظم ألوان البّر الاجتماعي – الذي لن تضيع ذرةٌ منه في ميزان الحساب الالهي – الإسهام الجاد الفاعل في هذا المضمار .