23 ديسمبر، 2024 10:32 ص

النازحون : غرباء في وطنهم !!

النازحون : غرباء في وطنهم !!

يُعدُّ أدب الأطفال من أصعب أنواع وإبداعات الثقافة الأدبية لأنه موجه لِعَينَة مازالت عقولها في طور النمو وهم الأطفال .. والمتخصصون في هذا النوع الأدبي يمتلكون موهبة متفردة ونادرة لا يمتلكها غيرهم من الأدباء والشعراء والمثقفين .. وقد جربَ عدد من الكتّاب والأدباء والشعراء الكتابة في أدب الأطفال لكنهم فشلوا !
لأنَّ صياغة النصوص والألفاظ والكلمات تبقى ضمن إطار مخاطبة عقول الأطفال .. ويتذكر أقراني من المتعلمين في خمسينيات وستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي ، قصيدة البلبل الفتان ، يطير في البستان .. وقصيدة خرجتُ يومَ العيدِ ، بملبسِ الجديدِ .. وقصيدة مشهورة جداً ، يا بط يا بط إسبح بالشط !
يُذكرني هذا الموضوع بأحاديث مسؤولي محافظة الأنبار والّذين يَتبنون تواجدهم في الساحة السياسية وهم يوجهون أحاديثهم وحواراتهم عبر وسائل الإعلام وكأنهم يُخاطبون ويتحدثون إلى أطفال مازالوا في سلالة النمو ولم يتذكروا أنَّ الّذين ينظرون إليهم ويستمعون لهم إن لم أقل جميعاً أصبحت لديهم خبرة في التعامل والإستنتاج والحكم فهم الأعم والأغلب .. فبين مواطني محافظة الأنبار المهاجرين والنازحين المعذبين المشردين مئات من أساتذة الجامعات وآلاف من المعلمين والمهندسين والأطباء والموظفين والمثقفين والأدباء والشعراء المتخفين تواضعاً .. ومن الّذين تجولوا في كل بقاع الأرض حاملين معهم سلاح الإنتماء إلى العراق .. ومن بينهم أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا .. ومن بينهم مرضى ومشلولون ومعوقون .. ومن بينهم عاجزون وفقراء وملتحفون للصبر ومتدثرون بالفضيلة .. من بين أبناء أهلي في الرُمادي آلاف الأطفال الذين تاهوا بين بوصلة القصف وإتجاهات الكذابين المنافقين من مسؤولي هذه الدولة العجيبة ومسؤولي محافظة الأنبار .. يخرجُ مسؤول يليه مسؤول ثم يأتي آخر فيلحقه آخرون للتجول بين خيام النازحين وهم يحملون مسابح الكهرب !
تنتهي بتصريحات عجيبة عن توفير الماء والكهرباء والغذاء المجاني والتصدي للعواصف الترابية وفتح مدارس ابتدائية وثانوية ومستوصفات وجمعيات خيرية ومساجد وتعبيد الشوارع التي تؤدي إلى المخيم وتوزيع بطاقات موسمية للتسوق وملاعب رياضية ..!
ثم العودة من حيت أتوا .. وسياراتهم الفارهة تنتظر ومكاتبهم تنتظر وبيوتهم المؤجرة بأموال النازحين تفتح أبوابها .. المسؤول أمامه واجبٌ واحدٌ فقط وهو خدمة المواطنين في الأيام العادية أما في أوقات الكوارث والأزمات ومثلما حدث مع أهلي في الرُمادي وهم ينزحون من مدينتهم فالمسؤول أمام واجب أدق لكنه أشمل بشرط .. إذا كان يمتلك قطرةً من الوفاء والشرف فعليه ترك أعماله في المكاتب العاجية الفاخرة ويلتحق بل ويسكن في المخيمات خدمةً لأهلنا النازحين ويبقى آخر من يأكل وآخر من يشرب الماء النظيف وإلا فليبحث عن عمل آخر .. لا أن يأتي مع حمايته وبالكاد يستطيع المشي بعد أن تدلت بطنه ويتجول كأنه في معرض ثم يعود .. وأن يعتذر عضو مجلس المحافظة الذي أحتفظ باسمه الآن فقط من أهل الرُمادي للنازحين بعد أن بدأ بالصراخ عليهم .. كفاكم لعب هذا الدور المضحك وإرضاء ذقون مواليكم بدلاً من إرضاء قلوب الفقراء .. و يا بط يا بط إسبح بالشط .. قل للسمكة أتت الشبكة ، ميلي عنها تنجي منها