23 ديسمبر، 2024 1:45 م

الناخب العراقي والخيارات الصعبة

الناخب العراقي والخيارات الصعبة

يعيش الشارع العراقي في هذه الايام الحرجة من تاريخه المعاصر حالة من الغليان وسباق محموم بين الكتل والاحزاب السياسية لنيل بطاقة التأهل لدخول قبة البرلمان بأمتيازاته الخرافية والفريدة من نوعها في العالم ..وهنا يقف الناخب العراقي حائرا وعلى مفترق طرق فبعد مرور احد عشر عام على سقوط الصنم ودخول العراق في التجربة الديمقراطية وممارسة المواطن العراقي الاقتراع الحر المباشر لثلاث مرات منذ عام 2003 ..وبصورة لم يالفها العراق منذ نشوئه عام 1921 لما احتوته هذه التجربة من فعل ديموقراطي يرقى الى الحقيقة ومساحة كبيرة وحرة تحرك فيها المرشح والناخب على حد سواء وكل هذا حصل بفعل ارادة وسعي المواطن نحو التغيير وامله بعراق افضل بعد  حكم الصنم على مدى العقود الماضية ..وبمباركة المرجعية الدينية التي سحبت البساط من تحت اقدام المحتل وقلبت الطاولة على كل المخططات التي حيكت في دهاليز الادارة الاميركية لعراق مابعد صدام ..وقد تحدى العراقيون كل الصعوبات الامنية والتنظيمية والزخم الاعلامي المضاد لبعض القنوات الفضائية العراقية والعربية المغرضة التي وقفت بالضد من التجربة الديمقراطية الفتية في العراق وسعت الى خلق حالة خوف واحباط لدى المواطن ومنعه من الانتخاب ..وبالرغم من كل ذلك فجر العراقيون ثورتهم البنفسجية وزحفوا بالملايين  نحو صناديق الاقتراع بصورة ادهشت العالم باسره املين انتخاب مجلس نواب وحكومة تلبي تطلعاتهم وطموحاتهم نحو مستقبل افضل لهم ولاجيالهم ..لكن الذي حدث ان محصلة هذه التجارب قد انتجت برلمانات ضعيفة وهزيلة غير قادرة على النهوض باعباء المرحلة المصيرية والاستثنائية التي تمر بها الامة العراقية بمختلف اطيافها الاثنية والقومية وعلى كافة الاصعدة السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية ولم تكن بمستوى التضحيات التي بذلت لتحقيق هذا الانجاز العظيم ..حيث شكلت هذه البرلمانات عبئ على المواطن اثقلت كاهله بأفتعال الازمات التي احترفت صناعتها واستنزافها لموارد الدولة المالية من خلال الامتيازات المادية الخيالية التي يمنحها اعضائها لانفسهم ..بينما تجاهلوا أقرار المشاريع المهمة التي تمس احتياجات المواطن بصورة مباشرة ..وأنتجت حكومات مكبلة ومحاطة بكم هائل من المشاكل والازمات تحتاج الى وقفة موحدة من الجميع لحلها وتجاوزها وكان لخلافات اعضائها التي طغت على المشهد السياسي العراقي طيلة الفترة الماضية والنابعة من مصالح حزبية وشخصية نفعية ضيقة الاثر الاكبر في شل عمل الحكومات ومؤسسات الدولة فضلا عن انعكاسها على الشارع العراقي وبث روح الفرقة والاحتراب بين مكوناته من خلال الشعارات الطائفية والقومية التي تغنى بها بعض نوابه على مدى السنين الماضية مما ادى الى تدهور الوضع الامني بصورة كبيرة ..وسوء الخدمات والفساد الاداري والمالي الذي ينخر جسد الدولة بسسب غياب الدور الرقابي لمجلس النواب وانشغاله بالمهاترات الاعلامية والدعائية وما هي الا ايام تفصل المواطن العراقي عن الانتخابات الذي سيذهب فيها الى صناديق الاقتراع حاملا معه  مرارة وغصة في الحلق وصراع داخلي لخيارات صعبة بين سعيه لاحداث التغيير الذي يعمل على تحسين  واقعه المزري وبين ما الفه من قناعات سابقة اغلبها فطرية تغلب عليها العاطفة وبدافع الدين والمذهب والانتماء القومي والقبلي او تاثره ببعض الشخصيات التي اعتاد انتخابها في المرات السابقة التي لم تلبي ولو جزء بسيط مما كان يصبو اليه  بأمله بعيش حياة كريمة امنة ..ولكن السؤال هنا اذا انتصر عامل التغيير في داخله فمن يسنتخب وسط هذا الكم الهائل  من الشعارات واللافتات الدعائية والصور الكبيرة  التي غصت بها طرق ومدن العراق ..  ولو جمعت اموالها لساهمت في بناء مجمعات سكنية لفقرائه ..وقد كان حاضرا في هذه الحملات الدعائية  كل شيئ الدين والقومية  والحزب والطائفة والقبيلة ..ألا المشروع الوطني فقد غاب من بين ثناياها الا ماندر ..كما غاب طيلة الفترة الماضية فاغلب القوى السياسية الموجودة على الساحة العراقية تعمل على استدراج الناخب الى الجزئيات الصغيرة محاولة خندقته ظمن الطائفة والقبيلة والانتماء الضيق للوصول الى بطاقته الانتخابية باقصر الطرق لادراكها بعجزها عن تقديم اي شيئ له ..من خلال محاولة خداعة ببعض  الشعارات الزائفة والرنانة التي تثير فيه الحماسة الانية ..وان هذا الصراع الداخلي الذي يعانيه المواطن الان اذا لم يجد بوصلته القادرة على ايصاله  الى بر الامان بانتخاب الافضل القادر على احداث التغيير فسينتج عنه عزوفه عن ممارسة حقه الدستوري في الانتخاب بسبب الاحباط الذي سوف يسيطر عليه ..وهذا في حد ذاته يشكل كارثة وانتكاسة على مستقبل العراق وتجربته الديمقراطية الناشئة ونجاح كبير للارهاب واعداء العراق  في المحيط الاقليمي والعربي الذين سعوا طيلة الفترة الماضية الى اسقاط هذه التجربة الرائدة في المنطقة ..لذا يجب على الجميع هذه المرة ان يكونوا براغماتيين ويتعاملوا مع ماطروح على الساحة وفق معايير (الأنزه والافضل والاكثر ابتعادا عن خندق الطائفة والانتماءات الضيقة) لنخرج من هذه المعركة المصيرية باقل خسائر ممكنة.