أعترف بأنني أحد المعجبين بالنائب السيد مطشر السامرائي المنتمي لإئتلاف الوطنية بقيادة الدكتور أياد علاوي. مصدر الإعجاب به هو صراحته النسبية الذي أظهرها في أكثر من مناسبة. على عكس باقي الطغمويين(1)، فهو صريح الى حدود بعيدة، فلا يتعبك باللف والدوران والحذلقة التي يتميز بها الطغمويون الآخرون وآخرهم النائب عبد القادر السامرائي وقبله النائب ضياء الدوري الذي طالب الحكومة والمجتمع الدولي بالكشف عن مصير (150) شخصاً مفقوداً في قضاء الدور في الوقت الذي كان عليه، وهو نائب المنطقة والعارف بشؤونها إفتراضاً، أن يقدم شهوده إذا كان يتهم جهة معينة بشأنهم وإلا فكان عليه التفتيش عنهم مع داعش التي يمكن أن تكون قد إختطفتهم أو أنهم ينتمون إليها وهربوا معها. هذا خير من القفز الى المجتمع الدولي الذي ألفنا المقصود من وراء إستدعاءه. وهذا ما قصدته باللف والدوران والحذلقة والخبث والتخريب.
بتأريخ 16/3/2015 شارك السيد مطشر في برنامج “بالعراقي” في فضائية (الحرة – عراق)؛ وكان موضوع الحلقة “الحشد الشعبي بين الإشادات والتحفظات”.
لم يتوقف الرجل كثيراً عند الإتهامات المتسمة بالمبالغة وإسباغ صفة المنهجية على بعض الخروقات والأخطاء الفردية التي حصلت أثناء تحرير ديالى من يد إرهابيي داعش. لقد مرّ عليها مرور الكرام لأنه يعرف حجمها الحقيقي ويعرف هدفها.
لكنه توقف كثيراً عند أمر آخر كشف لي الدوافع التي تقف وراء التهجمات على الحشد الشعبي التي تجاوزت “التحفظات” بكثير ومن قبل جهات مهمة على الصعيد العالمي كالأمم المتحدة والولايات المتحدة ومشيخة الأزهر ومنظمات حقوق الأنسان. لقد بلغت الإتهامات حد العيار الثقيل من قبيل القول أن إنتهاكات الحشد الشعبي والقوات العراقية “خلفت موتاً ودماراً … في المدن والقرى التي استعادتها من يد داعش” حسبما جاء في تقرير مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. أما مشيخة الأزهر(2) فقد ذكر بيانها بأن الحشد الشعبي قد إقترف جرائم “إبادة”. هذا في الوقت الذي أفادت فيه لجنتان عراقيتان إحداهما برلمانية والأخرى حكومية برأسة وزير الدفاع السيد خالد العبيدي للتحقيق في إتهامات بانتهاكات حصلت في منطقة بروانة التابعة للمقدادية فنفت اللجنتان حصول شيء من هذا القبيل بل إن وزير الدفاع أُعجب بسلوك القوات الأمنية والحشد الشعبي.
الأشد إيلاماً هو إصدار مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حكماً متشابهاً على جرائم داعش الثابتة والمعروفة وعلى “الجرائم الإفتراضية” التي لصقتها المفوضية بالقوات العراقية والحشد الشعبي.
فقد وصفت جرائم داعش بالكلمات التالية حسبما ظهرت في موقع فضائية “الحرة – عراق” بتأريخ 19/3/2015: “وقد تصل إلى حد اعتبارها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.”
أما بشأن القوات العراقية والحشد الشعبي فقد نقل موقع الفضائية عن تقرير المفوضية ما يلي:
[[وخلص التقرير إلى أن أفراد قوات الأمن العراقية والميليشيات التابعة لها نفذوا أعمال “قتل خارج نطاق القضاء وعذبوا واختطفوا وشردوا قسرا” عددا كبيرا من الأشخاص، الأمر الذي قد يصل إلى اعتبار تلك الأعمال جرائم حرب.]]
لستُ هنا بصدد تحليل وتسفيه هذه التقارير وخاصة الحكم الذي أصدرته المفوضية التابعة للأمم المتحدة بحق الحشد الشعبي والقوات الأمنية الذي أكاد أكون جازماً أن أمريكا(3) والمال السعودي(4)- يقفان وراءه بسبب فشل مجمل سياساتهما في العراق وسوريا وفي عموم المنطقة العربية والإسلامية ومحاولتهما تمرير سياسات بديلة يشكل هذا التشهير بالحشد الشعبي جزءاً من تكتيكات تلك الخطط البديلة؛ ولكنني أردتُ أن أضع الاصبع على السر الرهيب الذي دفع كل تلك الأطراف الى اللجوء الى تلفيقات من هذا العيار الثقيل.
هنا تأتي صراحة النائب مطشر السامرائي لتكشف عن ذلك السر الرهيب.
أعلنها السيد السامرائي بصيغة تقترب من الصراحة أنه يرغب في إعادة الضباط السابقين ذوي “الخبرة والمعرفة والدراية” بدلاً من زج الحشد الشعبي .
إعادةُ الجيش السابق، إذاً، هو ما يريده أصحاب هذه الحملة الظالمة على الحشد الشعبي بالذات. تصدّر الأمريكيون المشهد وتبعهم الذيول في الداخل العراقي والمنطقة بتلاوينهم المتعددة من حكومات ووسائل إعلام وهيئات.
إن حسابات هؤلاء واضحة للعيان. فإذا ما أعيد الجيش السابق الى الخدمة فإنه متفهم جداً لما ينبغي عليه تحقيقه وهو استرداد النظام الطغموي الذي سحقه الشعب الى غير رجعة تحت أقدامه وهو يدلي بصوته في صناديق الاقتراع لعديد من جولات الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات.
للحق، إن الطغمويين قد تخلوا الى حدود بعيدة عن فكرة عودة الجيش السابق، بل إنهم يئسوا وتخلوا أصلاً عن فكرة الإنقلاب العسكري بالمعنى الذي كان سائداً أثناء الفترة الطغموية امتداداً من انقلاب بكر صدقي عام 1936 حتى سقوط النظام الطغموي على يد الأمريكان عام 2003. لقد تخلوا عن الفكرة لأن النظام الديمقراطي وزع القوة على الإقليم والمحافظات وما عادت متمركزة في قيادة الجيش كأقوى قوة ضاربة في البلد وقادرة على القيام بانقلاب عسكري.
غير أن الأمريكيين قد إحيوا هذا الحلم في الطغمويين ثانية. لقد جرب الأمريكيون طرقاً عديدة لإحداث تغيير سياسي في العراق لصالحهم ولصالح الطغمويين. كانت محاولة يوم 25/2/2011 إحدى تلك المحاولات وفشلت؛ ثم جاءت مؤامرة إرسال داعش بأمل إسقاط النظام بأكمله ولكنها فشلت أيضاً فحوصرت داعش في محافظات معينة ذاقت جماهيرها الأمرّين من نزوح وإنتهاكات شنيعة فانقلبت هذه الجماهير على زعمائها السياسيين الطغمويين وعلى الأمريكيين وهي أصلاً معادية لداعش بالعموم.
لذا عاد الأمريكيون الى فكرة اعادة الجيش السابق ليقوم بمهمة الانقلاب مستغلين ضعف الجيش وانهيار بعض وحداته والتآمر من داخله(5) وهم على علم ومشاركة بكل ذلك بل هم من يقفون على رأس تلك النشاطات .
لقد إغتاظ الأمريكيون والطغمويون وحكومات السعودية وتركيا الأردوغانية وقطر كثيراً من بروز الحشد الشعبي كقوة شامخة مقاتلة تقف بوجه مخططاتهم وتبشر بمستقبل مستقر للعراق الديمقراطي بعد أن أطاح الحشد بكل الهالة التي بناها إعلامهم حول داعش مقابل التحقير والطعن بالشعب العراقي وديمقراطيته وحكومته المنتخبة وذلك ضمن خطة مفادها أن العراقيين لا يحترمون سوى القوة والإرغام والقسر والقمع وإستشهدوا بالحجاج والعثمانيين ونوري السعيد وصدام، لذا فالدواء هو داعش.
لقد تطابق رأي النائب السيد مطشر السامرائي بشأن إستعادة الجيش السابق مع رأي ضابط المخابرات السابق ومستشار الجيش العراقي السيد (مايكل بريجنت) الذي قال في فضائية (الحرة – عراق) بتأريخ 18/3/2015 : على الميليشيات الشيعية البقاء في مناطقها وحماية أماكنهم المقدسة وترك المناطق السنية الى الجيش السابق.
تطابق الرأيان لأن كلا السيدين النائب والمستشار ينهلان من مورد واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
(2) و (4): تناقلت بعض الوكالات والمواقع تصريحاً للدكتور محمد البرادعي مفاده أن وزير المالية المصري قد ضغط على شيخ الأزهر لإصدار تصريح يدين فيه الحشد الشعبي وذلك إرضاءً للسعودية التي كانت تريد أن تمد مصر بقرض بمبلغ (3) مليارات دولار وطلبت تلك الإدانة.
ذكر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في أحد كتبه عن الحقبة الناصرية – ذكر أن السعودية قد ضخت للأزهر 40 مليون دولاراً من أجل معارضة السياسات القومية والتقدمية للرئيس جمال عبد الناصر.
ومعروفة هي قصة محاولة السعودية رشوة مدير المخابرات السوري عبد الحميد السراج، أيام الجمهورية العربية المتحدة، بمليون دولار لإغتيال الرئيس عبد الناصر.
ذكر عدد من علماء الأزهر ومتخصصون مصريون في فضائية “الميادين” / برنامج “أ ل م” بأن الوهابية قد سيطرت على الأزهر طيلة السنوات الخمسين الماضية.
وقرأ أحدهم نصاً من كتاب يُدرّس في الأزهر يفتي بجواز شوي وأكل أجزاء من جسم الكافر.
من هذا طالب الرئيس عبد الفتاح السيسي الأزهر بوجوب تطوير خطابه الديني وتخليصه من التطرف والعودة به الى اعتداله المعهود.
أما بالنسبة للحكومة الوهابية السعودية فأذكر القليل:
نُقل عن السيد حسن العلوي قوله أنه كان ضمن وفد لإئتلاف العراقية برئاسة طارق الهاشمي الى السعودية. ما أن دخل الملك عبد الله حتى بادر الهاشمي بالقول: أعطيناكم مليارين ونصف مليار دولار والشيعة مازالوا في الحكم!!!
وقال جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قبل شهرين تقريباً بأن تحالفات بدأت تُنسج بين إسرائيل وبعض الدول العربية وإننا نشجع ذلك. وطانت إسرائيل قد ذكرت النظام السعودي بالذات!!!
وأخيراً طالب سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، التحالف الدولي بمواجهة داعش على الأرض في العراق وسوريا ….. والعاقل يفهم هذا الحرص الأخوي والقلب الحنون!!!!
(3): في كل يوم تتفتق مواهب الإدارة الأمريكية لترينا حرصها على العراق وأهل العراق وحقوقهم الإنسانية!!.
من ضمن الزخات الإعلامية الأمريكية التي رشقت العراق وقواته الأمنية والحشد الشعبي – كان تقرير منظمة (الهيومان رايتس ووج) الأمريكية. إستندت المنظمة في إدانتها للحشد الشعبي و”أعماله المنتهكة لحقوق الإنسان” على صور الأقمار الصناعية. قال تقرير المنظمة إن الأقمار التقطت سيارات تابعة لمنظمة بدر وعصائب أهل الحق ومنظمة خراسان قرب آمرلي.
بلا شك أن الإقمار الصناعية تابعة لإحدى الوكالات الرسمية الأمريكية.
سؤالي: إذا كنت، يا حكومة أمريكا، حريصة لهذه الدرجة على العراق وأهل العراق فلماذا لم تلتقط أقماركم الصناعية إرهابيي داعش وهم يقطعون المسافة الطويلة الممتدة بين سوريا والموصل، خاصة وأنكم كنتم على علم بأن العراق كان في حالة إنتظار طويل جداً جداً لإستلام طائرات ف – 16 مدفوعة الثمن ولم تكن لديكم النزاهة الكافية لإلغاء إتفاقية البيع عسى “المكَاريد” العراقيون يجدون حلاً لإنقاذ أرواحهم من الموت الزؤام؟
كم أعجبني رد مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي حينما قال لمنظمة (الهيومان رايتس ووج): لم يتقدم إلينا أي شخص بشكوى.
(5): لم تسلح ولم تدرب أمريكا القوات المسلحة العراقية بالقدر المناسب. كانت الحجج تترى بلا حساب منها أن دول الجوار متخوفة من العراق!!!.
فوق هذا ضمنت أمريكا عدم فعالية الجيش فضخت اليه ضباطاً طغمويين تحت غطاء المصالحة. قال (بول بريمر)، الحاكم المدني الأمريكي، في فضائية “الميادين” بتأريخ 17/11/2013 بأنه أعاد الى الخدمة 80% من ضباط الجيش السابق من رتبة عقيد فما دون.
زد على هذا فقد كانت تتواجد في الموصل حين سقوطها بيد داعش فرقة ولواء من قوات السيد مسعود البرزاني، حليف أمريكا، وذلك حسبما ذكر النائب عن نينوى السيد عبد الرحمن اللويزي في فضائية (الحرة – عراق) / برنامج “بالعراقي”.