18 ديسمبر، 2024 8:16 م

النائب العراقي بين دوره الحقيقي واستجداء العواطف

النائب العراقي بين دوره الحقيقي واستجداء العواطف

يمثل مجلس النواب دستورياً صوت الشعب ويتضمن في المواد (50_64)، كل اعمال مجلس النواب وحدد حقوق وواجبات أعضاء المجلس والعديد من التفاصيل التي يعرف النائب بعمله بشكل أساسي بعد أن نال شرف تمثيله لعدد كبير من المجتمع، فضلاً عن النظام الداخلي لمجلس النواب الذي صدر تنفيذاً للمادة (51) الدستورية التي ألزمت المجلس وضع نظاماً داخلياً له لتنظيم سير العمل فيه، لذا يتوجب على أعضاء البرلمان التيقن بشكل أساسي الية عملهم التشريعي.
للنظام الداخلي لمجلس النواب أهمية كبيرة فمن الناحية القانونية يعتبر النظام الداخلي العنصر الأساسي في ضبط سير المؤسسة وذلك بسبب تحديد آليات ونظام العمل بها ووضع القواعد الأساسية التي لم تذكر في الدستور، وبما أن صياغة الدستور تأتي بشكل اجمالي، فلابد من وجود وثيقة تفسر اجمالية الدستور بشكل واضح ومفصل لغرض تحديد معها كيفية اجراء وتنفيذ المواد الدستورية، اما أهمية النظام الداخلي من الناحية السياسية فالنظام العراقي نظاماً ديمقراطياً ويعني ذلك أن الشعب هو مصدر السلطة ويمارسها من خلال ممثليه في مجلس النواب ويستوجب لممثليه الشعب أن يكون لهم نظاماً داخلياً يوضح عملهم التشريعي في حدود القانون لتحقيق اهداف وغايات الناخبين.
فبعد أن عجزنا في توضيح مسألة ان يكون النائب في البرلمان يمثل منتخبيه وليس رئيس كتلته وايقاننا التام بأن هذه المسألة لن تحل مطلقاً علينا اليوم ان نبين عمل النائب بشكل أساسي لكي يبتعد عن الحالات التي ليست من اختصاصه والتي يحاول بها كسب تعاطف الشعب.
ونظراً لتعاظم دور البرلمانات العالمية في مواكبة التطورات الحاصلة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فيمكن اليوم بات من الضروري البحث في ادوار النظام الداخلي في البرلمان العراق وتفعيل اختصاصاته، حيث ان الاختصاص التشريعي اهم اختصاص للنواب لأن الغاية وراء ذلك في سن قوانين التي يسير على افراد المجتمع والحكومة ايضاً، لكن هذه القوانين يجب ان تكون نابعة عن احتياجات المجتمع، وان تحسين اليات النظام الداخلي، سيحسن من عمل أداء المجلس وسيتحول المجلس بذلك من مؤسسة بيروقراطية جامدة الى مؤسسة تشريعية فعالة ومؤثرة، فبعد دور النائب في الموافقة على منح الثقة للحكومة من عدمه ومراقبته لأدائها مع إمكانية سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء او احد وزراءه او استجوابهم سنبين بعض اهم الأدوار التي تتمتع بها السلطة التشريعية التي يجب أن يكون للنائب معرفة بها وهي:
اولاً: دور النائب في تشريع القوانين
في الدول الاتحادية يعتبر البرلمان هو الأساس في سن وصياغة القوانين، وبما أن الدستور العراقي أشار بأن البلد دولة اتحادية مستقلة فمن المنطقي ان يكون تشريع القوانين مناط بالبرلمان فقط ألا أن الدستور الدائم لعام 2005 تبنى الاتجاه القائل على اشراك السلطة التنفيذية مع البرلمان في التشريع وفرق بين مقترحات القوانين وتشريعها فالأخيرة تقدم من رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء اما المقترح فيقدم من قبل عشرة نواب في المجلس او من احدى لجانه المتخصصة وهذا الامر، لذا اصبح من المعتاد أن تكون الحكومة هي مصدر التشريع وأصبح دور البرلمان في إقرار هذا التشريع ام رفضه، الا ما ندر، لكن هذا الامر يعتبر امراً خاطئ، لأنه يتسم بالطول والتعقيد وهذا ما أكده الواقع العملي بسبب المراحل التي تصاحب تشريع القانون والتي تكون مأطرة بالخلافات والمقاطعات والاخلال بالنصاب القانوني للجلسة المراد التصويت على التشريع فيها، وتكون هذه الخلافات لغرض تحقيق مكاسب حزبية وذاتية لا عامة، فضلاً عن مضيعة الوقت التي تنتج بعدم التصويت على التشريع المقدم من قبل السلطة التنفيذية لغرض الضغط عليها مما سيتطلب ذلك اجراء تعديل على التشريع المراد سنه، لذا لابد من تحديد سقف زمني لتشريع او تعديل أي قانون وخاصة القوانين المهمة و منحها الأولوية في التشريع.
ثانياً: دور النائب في رسم السياسة العامة
كما يجب أن يكون للبرلمان دوراً في رسم السياسة العامة للبلد فالدستور العراقي اوكل مهمة رسم السياسة الى رئيس الوزراء في المادتين (78) و(80) ولم يعطي البرلمان دوراً في مشاركة رئيس الوزراء في وضع السياسة العامة، لذا يتوجب أن يكون هناك تعديل بأشراك البرلمان في هذه المسألة لان زيادة مهام الحكومة الى هذا القدر أصبح من ضروري ان يتحمل البرلمان ايضاً دوراً في رسم السياسة العامة للبلد لأنه قادراً على التعبير عن متطلبات الشعب وما يشكله من أولوية بالنسبة لرأي العام.
ثالثاُ: دور النائب في قانون الموازنة العامة
في اغلب الدساتير يكون دور البرلمان في قانون الموازنة العامة في فحصها ومناقشة بنودها بشكل تفصيلي من قبل اللجنة المالية في البرلمان ومن ثم التصويت عليها لسنها، ولغرض مناقشة قانون الموازنة بصورة صحيحة لابد أن يكون النائب على قدر من المعرفة في السياسة الاقتصادية، خاصة وان قانون الموازنة من اهم القوانين التي تضطلع بها الحكومة كونها تحدد الية اعداد التحصيل على الموارد وتوفيرها بغية تنفيذ الاقتراحات المتعلقة بالسياسة العامة، وأن مرحلة مناقشة إقرار الموازنة تعتبر من اكثر المراحل دقة وحساسية فضلاً عن كونها احد أدوات الشفافية التي من خلالها يتمكن الناخب من تقرير مصير نوابه كون هذه العملية تضم التزامات ووعود تجاه المجتمع ويتطلب رقابة البرلمان على كيفية عمل الحكومة في هذا الجانب.
رابعاً: دور البرلمان في الحفاظ على المال العام
من اهم أدوار النائب هو الرقابة على الأموال العامة والتأكد من ان الحكومة تستخدم هذه الأموال وفق المعايير الاقتصادية، وان الحفاظ على المال العام للدولة يعد الهدف الأساسي للرقابة المالية من قبل أعضاء مجلس النواب.
لكننا نرى اليوم تخبط كبير في المؤسسة التشريعية، فبعض نواب البرلمان يفتقرون الى الرؤية الاستشرافية فضلاً عن افتقارهم في معرفة عمل النائب ويمارسون دورهم التشريعي بناءاً على الاملاءات الحزبية لا أكثر فضلاً عن بحثهم عن مكاسب شخصية لا عامة، فنرى اليوم عدد منهم يستجدون عواطف المجتمع من خلال مسائل ليست من اختصاصهم فمنهم من يشرف على اكساء شارع، ومنهم من يشيع بأنه حصل على موافقة لأنارة شارع والعجيب في الامر أن هذا الشارع مشمول بحملة الاعمار التي تقوم بها امانة بغداد، ومنهم من يقوم بزيارة نقطة تفتيش ليحاسب فيها منتسباً لأنه يدخن، ومنهم من يستجدي عطفاً بعد حمله لصور شهداء تشرين اثناء جلسة منح الثقة وتناسى في ذلك بأنه نائب معارض وصوت على من احتجت ضده تشرين وتناسى بأنه دوره في المعارضة هو التعطيل وليس الحضور واكمال النصاب، ومنهم من لم يتجرد من أسلوب البلطجة بل جاء بها الى داخل البرلمان ليستعرض بها امام الكاميرات فنونه القتالية، وغيرها الكثير من الحالات الغير صحيحة، لذا يتوجب على أعضاء مجلس النواب معرفة عمل النائب ودوره لأنهم يمثلون المجتمع داخل قبة البرلمان وليس ممثلين عن أنفسهم او عن احزابهم، وعليهم تفعيل دور الرقابة بشكل الأساسي لان البلد اليوم يعاني من وفرة مالية يمكن استغلالها لأصلاح كافة مفاصل البلد.