تعتبر مفردة، “الزعطوط” إحدى أشهر الكلمات الدارجة في العراق، “وتطلق هذه العبارة على الشخص غير الناضج، أو من يتصرف بسلوكيات لا تليق بمقام الرجل وتحسب على الأطفال، وهي كلمة آرامية ، كما يذكرها البغدادي الشالجي في كتاب الكنايات، وتقابل هذه المفردة، “زوطا” في المندائية الآرامية الشرقية وتعني الطفل”.
لهذه المفردة تأثير سحري في المشاجرات والمناكفات التي تحصل بين الناس، وأيضا حينما يتم نعت سياسي او مسؤول بها، فحين يطلق أحدهم على الآخر، صفة ،”زعطوط”، فأن من المحتمل قد تحدث معركة، وقد تصل الى استخدام الأسلحة النارية، وهو أمر شائع يحدث بشكل طبيعي في المدن التي تكثر فيها النزاعات القبلية.
وكان لمصطلح “الزعطوط”، حضورا تاريخيا بارزا، فيذكر ان رئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي نوري السعيد وبحسب شهود عيان، حينما سأله بعض الشخصيات عن اوضاع العراق، لم يكن امامه الا ان يرفع يديه الى السماء ثم قال، “اللهم أني اشكو اليك زعاطيط السياسة”، ومنذ ذلك الوقت باتت هذه الكلمة، تشكل حضورا لافتا في المشهد السياسي.
ولسنا بعيدين ايضا عن تاريخ العراق الاسود، والمليء بالموت والحروب والدم، حتى تحولت هذه العبارة، محط انظار واستفزاز المسؤولين، واحيانا يشكل سلوكهم تطابقا واضحا مما تعنيه هذه الكلمة، مقارنة بالمكان الذي يشغله المسؤول، وهو لا يتناسب مطلقا عما يفعله.
وفي الحقيقة، أجد ان مصطلح “الزعطوط” تعبير مناسب ولائق، للكثير من النواب والمسؤولين، سيما في محافظة ذي قار، بعد ان انشغلوا عن هموم الناس ومشاكل المدينة ومعالجة الفساد فيها، ظلوا يطاردون كل من ينتقدهم بشكل مرعب.
واعتقد بأن مواقع التواصل الاجتماعي شكلت صدمة كبيرة لهولاء الفاسدين، بسبب ما يكتب عنهم بشكل مستمر، وبذلك أصبحت نافذة مضيئة، للكثير من الكتاب والمدونين، الذين ينتقدون، الاوضاع السياسية في العراق، في ظل هذه الفوضى وهذا التخبط الهائل الذي نمر به يوميا.
وبالرغم من كل ذلك، تشكل ثقافة الاستغفال واستغلال الجماهير، سمة سائدة لدى الكثير من هولاء، سيما النواب ، الذين كشفتهم الاحداث يوما بعد اخر، انهم صفرا على الشمال، ينساقون خلف الصفقات والدعاية الانتخابية، ويركضون خلف كل من يدفع لهم المال.
وتكشف هذه المشكلة الخلل الفظيع لدى الطبقة السياسية التي لا تملك افكارا أو مشاريع أو رؤية واضحة تجاه الاحداث، بعد ان افرزت الفوضى وجهل الناس، شخصيات قلقة غير متزنة، أمتلكت الاموال والنفوذ وصعدت على مسرح المشهد السياسي بشكل واضح، لتقرير مصير ملايين من البشر.
هولاء أقل ما يمكن القول عنهم انهم “زعاطيط”، حيث ليس لديهم اي شيء غير مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي وما يكتب عنهم، يجندون الكثير من الاغبياء والمتملقين للدفاع عنهم او تجميل صورهم المهزوزة، كما انهم يخشون من الذين يسألون كثيرا عن افكارهم او عما يفعلونه.
أعرف صحفيا، نشر خبرا عن موقف مخزي لنائب عراقي، على فيسبوك تعرض الى سيل من الشتائم والردود ومن مدافعين عن ذلك النائب، ولم يكتفوا بذلك فقط، بل انقلب الموضوع ضد الصحفي ليكون بذلك ضحية للمجاملات الاجتماعية، التي تدفع بالحقيقة الى الوراء.
هولاء ، “الزعاطيط” الذين يفكروا بهذا الشكل مع منتقديهم ومع معارضيهم، لا اظن بأنهم يسعون لبناء دولة او رسم سياسة عراقية واضحة، بقدر ما يسعون للشهرة وللجاه والبذخ الاجتماعي.
ومثل هذه النماذج، تنتشر بشكل كبير وواسع ليس في البرلمان فحسب، بل في اغلب مؤسسات الدولة، والمشكلة أن لديهم مناصب ونفوذ ومريدين واتباع، وهم السبب الذي يدفع بنا سريعا نحو الهاوية.