18 ديسمبر، 2024 7:00 م

المُقدس الخفي في ظلام الأسرار

المُقدس الخفي في ظلام الأسرار

على أثر تلك المغادرة باللغة تعمق الوعي شعريا بوعي الثقافة كمدخل لأستنباط العديد من الإشكاليات الفكرية التي تساهم في أمدادات جديدة للمخيلة وقد أخذت الحضارة تمثل وطأتها الثقيلة أمام حاجة الأنسان لما يشفي ذاته والتي بدأت تعيش شكلها الدرامي كمحصلة أكيدة لمحاولات التجديد وظهور النظريات والتيارات الفكرية ، وبهذا خُلق من الرموز وجودا حيا ومن الباطن إطالة إنصات للتعبير بفخامة بدون الحاجة لتسوية إنسجامية مابين العلاقات التي أثرت اللغة زمنا طويلا بصيغها العملية ضمن علاقاتها الواقعية والعامة ،
وقد رافق ذلك أن توغل النقد في أعماق الماضي بعد أن حاول إعطاء شفرات ما للأشياء التي لابد من أعادة النظر بها وخلال مائتي عامٍ من الجهد الإنساني الذي تعاقب عليه العشرات من الشعراء المهمين ضمن القارة الأوربية تم تقييم منجزات العصور الأدبية الحديثة وأعيد تداول المفاهيم
الأغريقية القديمة بشأن الشعر وتم توظيف القدرات النقدية لدراسة الجمال ومفهومه وكان المسرح أنذاك وما كتب له هو الأخر قريبا مما كتب عن الشعر أو لصيقا له ولاشك رافق ذلك تحولات سياسية وهزات كبيرة ومنها الثورات الأوربية كثورة نابليون في فرنسا والخارطة الجديدة لأوربا والعالم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وتداخل الصراع الديني وسيادة الأقطاع وأزدهار الأكتشافات العلمية الأولية والسيطرة الاستعمارية وتنامي رؤوس الأموال بيد القلة في المجتمع واضطهاد العمل الذي تعرضت له المرأة والأطفال في المعامل والمصانع وشيوع التوق إلى الحرية ضمن شيوع مبادئ حقوق الأنسان التي أعلنها الرئيس ولسن ،
بدأ النقد يكشف أن هناك تحولا كبيرا بمفاهيم ركائز الأنتاج الشعري ومنها اللغة ووظيفة المخيلة ومفهوم الخيال ومدرك الموجودات والملكات الإبداعية والعقل الباطن والشعور والإحساس والتناقض والعقل المتطفل والتصور والإبتداع وكافة أوجه النشاط الشعري الأخرى التي تعني للنقد أن يخرج بحصيلة ما عن الشعر الذي كتب في الماضي والذي بدأ يكتب الأن وكيف يتعامل النقد مع هذين المنتجين عبر تلك الأزمات وما ولدت من ألالام جمعية ساهمت في تفجير الوجدان الإنساني وفي النظر الى الحقائق والمتطلبات الكونية بنظرة من اليأس والتمرد وكان لابد من المعجزة التي توحد الذات ليس في الشعر فقط وفي الأجناس
الأدبية الخاصة بالشعر ، الأغنية ، الأنشودة الرعوية الملحمة ، الدراما لإحياء وأيجاد ماكان لذيذا ومخفيا في الماضي ،
الإدراك الأهم من ذلك ولربما المعبر عنه أن الشعر مقدس خفي في ظلام الأسرار وهو حالة رفيعة بدون أن يطلى بشئ من الدينية أو أشكال التأثيرات الأخرى التي أعتمدت من البعض كعكاز للوصول للمتلقي فقد تفرع النص الواحد إلى نصوص عديدة أتجهت إلى الإبتعاد عن عقلية العصر وهنا أصاب النقد حين حلل أسباب هذا الأتجاه وأستخلص أن كل الذي جرى كان من الضرورات أستجابة للمواء الذي في باطن الإنسان وهومواءٌ يشبه الموت فنهضت قوة تشتيت الخيال وأمتلكت اللامتناهيات زمامها لتتوالد الأحداث وتتناسل الأزمنة والأمكنة كل ذلك جرى بصوت الأنا الواحدة التي أنهت نظام الإتكال على حرفية الماضي ليبلغ الشعر ذروته الغريبة ولازال النقاد يعتقدون أن هناك الكثير الذي مضى والذي لابد من الإستدلال على قواه الأخرى المخفية فيه كي يصار بعد ذلك لنسيانه ووضعه على الرفوف شاهدا فقط على عصره ،
[email protected]