لغاية معلومة، لا يريد البعض من القوى السياسية النافذة في السلطة سحب الثقة من مجلس المفوضية العليا للانتخابات برغم أنّ نتيجة استجوابه في مجلس النواب الشهر الماضي تبرّر ذلك كل التبرير.
هذا البعض يصوّر الأمر كما لو أن الارض ستميد بنا ميْداً وتنهار المساكن والمباني على رؤوسنا، بمجرد سحب الثقة من مجموعة من الأشخاص ثبت تقصيرهم بالدليل الدامغ. وهذا البعض يرفع عقيرته بالادّعاء بأنّ فراغاً دستورياً سيحصل وأن العملية الانتخابية برمّتها ستتهدّد.
هذه في الواقع أطروحة متهافتة. المجلس الحالي تنتهي مدة ولايته بحلول أيلول المقبل. حتى لو لم يكن الاستجواب البرلماني قد حصل، أو لو لم تكن النتيجة التي انتهى إليها بعدم القناعة بأجوبة مجلس المفوضية، فإنّ المجلس بكامل هيئته راحل بحلول ذلك الموعد. ومن أجل هذا كان البرلمان قد أعلن أول الشهر الماضي عن فتح باب الترشيح لشغل مناصب المجلس الجديد للمفوضية، بعدما شكّل لجنة خبراء لمقابلة المترشحين واختيارمَنْ يُفترض أنهم الأنسب من غيرهم.
مجلس المفوضية المنصرف ليس لديه الكثير أو الخطير مما يفعله من الآن إلى أيلول، خصوصاً مع التوافق الحاصل بين القوى المتنفذة على تأجيل الانتخابات المحلية إلى العام المقبل لتجرى مع الانتخابات البرلمانية. بل ثمة ما هو مطروح مقترحاً تأجيل الانتخابات كلها، البرلمانية والمحلية، إلى العام 2019، بدعوى أنّ الظروف لن تكون مناسبة للعملية الانتخابية في غضون سنة واحدة من الآن.
إذن في كلّ الأحوال يتعيّن أنْ يتشكل مجلس جديد للمفوضية في غضون الأشهر القليلة المتبقية قبل حلول أيلول. ويُمكن لمجلس النواب ولجنة خبرائه تقديم موعد تشكيل المفوضية الجديدة إذا ما راعيا تماماً القواعد والأسس المهنية لهذا التشكيل، بعيداً عن نظام المحاصصة والتوافق السياسي الذي يُمكنه أن يُطيل في أمد التشكيل حتى إلى سنة كاملة.
الغاية الحقيقية التي من أجلها لا يرغب البعض من القوى السياسية المتنفذة في سحب الثقة من مجلس المفوضية الحالية، هي أنّ هذه القوى، وهي متنفذة في المفوضية ومجلسها أيضاً، لا تريد أن تحدث سابقة سحب ثقة، فمّما يترتّب على هذا إعادة هيكلة المفوضية على غير الأسس المتّبعة على مدى الدورات الانتخابية الثلاث الأخيرة، وأعني بها الأسس التي جعلت هذه القوى تمتدّ بنفوذها الطاغي في البرلمان والحكومة إلى الهيئات “المستقلة” التي لم تكن يوماً مستقلة في الواقع، وفي مقدمها مفوضية الانتخابات.
اليوم إذا ما صوتت الأكثرية البرلمانية على عدم سحب الثقة من مجلس مفوضية الانتخابات، فلن يكون في الأمر ما يثير التعجب والدهشة .. في النهاية القوى المتنفذة تقدّم مصالحها الحزبية ومصالح قياداتها على مصلحة الوطن والشعب.. هذا هو الحاصل منذ 2003 حتى اللحظة.
نقلا عن المدى