23 ديسمبر، 2024 2:24 م

المَكرمات المُنكرات!!

المَكرمات المُنكرات!!

المَكرمة من الكرم.
والمُكارمة : أن تهدي لإنسان شيئا يُكافئك عليه.

في الأخبار أن المسؤول الفلاني يَعِدُ بمَكرمات متنوعة للذين سينتخبونه!!

وهذا السلوك لا وجود له في عالم الديمقراطية , ولا يمكن لمسؤول بدولها , أن يدّعي أو يتجرأ على التصريح بأنه سيقدم مكرمات للناس , فمن أين له هذا الحق والتخويل , وكيفَ إمتلكَ الشعب والبلاد , ومَن هو لكي يقول هذا الكلام؟!

إن المسؤول الذي يقول ذلك يعبّر عن رؤية إستبدادية , ويفقد منصبه في الحال , وتتم محاكمته , لأن سلوكه منافي للأخلاق والقيم والأعراف الديمقراطية.

فكيف لمسؤول إعطاء الحق لنفسه , بتوزيع المَكرمات على الناس وكيف بهم أن يتقبلوا ذلك؟!

لا أظن المواطن في فرنسا , بريطانيا , أمريكا , أو غيرهم من الدول المتقدمة , سيقبل إذا قال له الرئيس أو رئيس الوزراء بأنه سيعطيه سيارة أو شقة أو قطعة أرض , لأنه سيسأله مَن الذي أعطاك الحق ولماذا تعطيني , ومن أين لك الذي تعطيني , حتى لو أعطاه من ماله الخاص , فأن ذلك سيؤدي إلى إستقصاء وبحث وإثبات بأن ما أعطاه لا يؤدي إلى نتائج لا تتفق والأخلاق الديمقراطية , فهذا السلوك معيب ولا يخطر على بال المسؤول والمواطن.

إن موضوع المَكرمات سلوك يختص به المسؤول في مجتمعاتنا , ويشجع عليه المواطن , المرهون بالحاجات , والذي لا يمكنه أن يفكر, كالجائع الذي لا يرَ إلا الطعام ليسد جوعه.

ويعبّر عن سقوط أخلاقي وتردّي في القيم والمعايير الفاعلة في المجتمع, وما يثير الإستغراب أن وسائل الإعلام تقف صامتة , ومستسلمة ومشجعة للسلوك وتظهره على أنه خطوة إيجابية وصفة حميدة لدى المسؤول , وما نظرت وحللت وقيّمت وتساءلت , من أين له هذا الحق , ولماذا يتصرف بثروات البلاد والعباد وكأنها ملكه المشاع , ويُسخرها لتحقيق مآربه الشخصية وتطلعاته الأنانية.

ويبدو أننا نستلطف هذه العاهة ونشجع عليها ونحسبها ممتازة , فتأريخنا يزدحم بمكارم المسؤولين والحكام , مما ترسخ في وعينا , أن الحاكم يعطي الآخرين لأن البلاد والعباد من ملكه الشخصي , فنقول إنه يحكم ويملك.

إن الديمقراطية لا تُبنى بهذه العقلية والرؤية , ولا يمكن للإنسان أن يكون ديمقراطيا إذا إرتضى هذا السلوك وشجع عليه وعززه وسوغه , وإذا هللت له وسائل الإعلام والأقلام , فقد تحقق الطغيان.

فمن الواجب علينا أن نعيد النظر في العديد من التصرفات السلبية المتراكمة في مسيرة حياتنا المطعمة بالويلات والتداعيات القاسية.

ولا يمكننا الخروج من مأزق الضعف والإرتهان إن لم يكن السلوك حرا ومتفقا مع قيم ومبادئ وأعراف المنهج الذي ندّعيه.

فهل نحن ديمقراطيون بسلوكنا وتفكيرنا , أم أن الديمقراطية قول وحسب؟!!