قد يعتقد البعض ان “الميليشيات” صناعة عراقية بامتياز، مثلها مثل مهنة مولدات الكهرباء الأهلية التي يتهيأ أصحابها لعقد إجتماع موسع سيقررون خلاله الاعتصام وعدم تشغيل مولداتهم لحين تحقيق مطلبهم القاضي بان يكون وزير الكهرباء واحدا من أصحاب هذه المولدات التي تغذي البيوت العراقية بنصف ساعات اليوم، أو أكثر، بالتيارالكهربائي، دون ان يكلفوا الدولة بنايات ونائب رئيس وزراء لشؤون الطاقة ووزير للكهرباء وثلاثة وكلاء للوزير وفق المحاصصة السياسية وجيش من الموظفين ومليارات الدولارات المسروقة تحت بند عقود وهمية او إيفادات ومخصصات حماية وعلاقات عامة أو تكاليف شراء وقود وتصليح آلاف السيارات المضللة ذات الدفع الرباعي، والنتيجة : ان هذه الوزارة لا تقدم من ساعات الطاقة الكهربائية للعراقيين مثل ما يقدمه أصحاب المولدات الاهلية.
وقد يعتقد البعض ان “الميليشيات” عراقية المنشأ، مثل قانون ترقية الحرامية، المعمول به في العراق على عكس القوانين المماثلة في دول العالم. حيث تتم محاسبة الحرامي هناك وغالبا ما يدخل السجن. أما في العراق، فان الحرامي يرقى الى درجة وظيفية أعلى، فالوزير الحرامي يصبح نائبا لرئيس الجمهورية أو نائبا لرئيس الوزراء، والنائب الحرامي، وبمجرد إثبات التهمة عليه، يحجز حقيبته الوزارية في التشكيلة القادمة، الى درجة ان معظم السياسيين في العالم يتزاحمون الآن أمام أبواب السفارات العراقية من أجل الحصول على الجنسية العراقية لضمان مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم، بعد ان ينفضح أمرهم في بلدانهم “المتخلفة” التي لا تقدر مواهبهم الخارقة في عقد الصفقات الوهمية أو إستيراد لعب أطفال على انها العجب العجاب في كشف الارهاب” كما هو الحال في بلدنا المتحضر، وترمي بهم، ظلما، في غياهب السجون، بل وتتمادى في ظلمهم حد مطالبتهم باعادة أموال الشعب المسروقة.
الميليشيات ايها السادة صناعة أمريكية كما هي صناعة السلاح وصناعة النفط وصناعة السيارات وصناعة النجوم وصناعة الموت. وبالرغم من ان الاعلام الامريكي لايقترب كثيرا من قضية الميليشيات في الولايات المتحدة الامريكية خوفا من أن تنطفأ شعلة الحرية التي يحملها التمثال الشهير، لكن الحقيقة هي ان الولايات المتحدة الامريكية تمتلك 1360 ميليشيا مسلحة موزعة على عدد من الولايات التي تطالب بالانفصال عن الاتحاد نتيجة “تهميشها” من قبل الحكومة الاتحادية، لاحظوا مطلب الانفصال وشكوى التهميش.
قد يقول قائل ان “الجماعة” تعلموا تأسيس الميليشيات وأفكار الانفصال والمظلومية والتهميش بعد معايشتهم للعراقيين في سنوات ما بعد الاحتلال، ونقلوا هذه الافكار معهم كما نقلوا آثار العراق، ونفط العراق، وعقول العراق المتميزة في مختلف العلوم. نقلوا فكرة إنفصال إقليم كردستان التي يطمح القائمون عليه بتأسيس دولة كردستان الكبرى، ونقلوا فكرة إقليم الأنبار وإقليم نينوى ثم إقليم سهل نينوى وبعده إقليم صلاح الدين ليتبعه إقليم الوسط والجنوب الذي إنشطر قبل ولادته الى إقليم أو دولة سومر في البصرة وقد تلحقها دولة الوركاء في الناصرية ومثلها في الكوت وديالى والديوانية، وصولا الى إقليم باب الشيخ ومشروع دولة مريدي. والحقيقة ان “الجماعة” لم ينقلوا عنا، بل نقلوا إلينا هذه الأفكار مع الديمقراطية التي جاؤوا بها وتحت جنحها الى العراق منقوعة بالدم ومتبلة بالطائفية والعرقية. فهم سبقونا في هذا المجال، وبلغ عدد ميليشياتهم عام 1995، أي قبل احتلال العراق بما يزيد على العقدين 809 ميليشيات، أما ظاهرة الانفصال فقد تحققت عندهم بالفعل عام 1860، أي قبل ما يقارب المائة واربعون عاما من إحتلالهم للعراق، فقد إنفصلت آنذاك 11 ولاية لكنها عادت الى الاتحاد بعد نشوب الحرب الاهلية.
مصانع الميليشيات في أمريكا جاهزة لتصنيعها حسب الطلب وحسب البلد وحسب الحاجة. في العراق صنعت عشرات الميليشيات ومن كل القوميات والاديان والمذاهب. وبالمقابل، صنعت ميليشيات بماركات دولية، كالقاعدة في بلاد الرافدين وداعش وغيرها، لتكون جاهزة لمقاتلة الميليشيات الاولى. وهذا بالفعل ما حدث وما سيحدث مستقبلا.
وفي البلدان التي هبت عليها رياح الربيع العربي صنعّت امريكا ميليشيات بمواصفات خاصة استطاعت ان تضعها على رأس السلطة بعد الاطاحة بحكومات تلك البلدان. ميليشيات تحكم ليبيا. وأخرى تحكم تونس. وثالثة تحكم اليمن والسودان. وهكذا الى ان تحكم الميليشيات بقية دول المنطقة لتتوحد لاحقا، ليس على غرار الاتحاد الاوربي، بل على غرار الميليشيات المتحدة الامريكية، لكن الفرق هو انها هناك لا تتقاتل فيما بينها، أما هنا، فواجبها الاقتتال كي تفسح المجال واسعا أمام العم سام لسرقة نفطنا وآثارنا وأموالنا وعقولنا.. أيضا.