في بغداد ، وفي المدن الكبرى الاخرى خاصة ، حيثما وليت وجهك فثمة لافتة تحمل عنوانا لميليشيا مسلحة .. على المقرات ، وفوق البنايات ، ومنها مايعترض ارصفة المارة . جُلُّ هذه اللافتات تتوشح بصور الضحايا من مقاتلي تلك الجماعات بملامحهم المتعبة والبائسة غالبا ، لكنها كلها تتخذ من السلاح شعارا ، فالميليشيا عبر كل الازمنة والوجود الجغراقي تلتقي على الايمان بفكرة تحقيق اهدافها من خلال وسيلة وحيدة هي السلاح .
في العراق ، وبعد احداث التغيير في العام 2003 ، ولاسباب عدة ارتبط بعضها بالاحتلال ، وتنامي النفوذ الاقليمي ، وتعزز النهج الطائفي ، وبروز الطموحات السياسية ، وفراغ السلطة ، والعوامل الاقتصادية ، طفت على سطح المشهد ظاهرة الميليشيا ، الا ان احداث سقوط محافظتي نينوى وصلاح الدين انتقل بالجماعات المسلحة المتقابلة الى مستوى غير مشهود من حيث العدد والتسليح والقدرات وحتى الشرعية الرسمية والاجتماعية .
بغض النظر عن الاسباب والدوافع وراء نشوء المجاميع المسلحة خارج سلطة الدولة وتنامي نفوذها فان التجربة الانسانية في هذا المضمار ، سيما في عصر الدولة الحديثة ، تغني عن الخوض في تعداد مخاطر هذه الجماعات ، وتنفي اي اجتهادات او تبريرات لإضفاء الشرعية على وجودها واستمراره ، وحتى مع القبول بوجهات نظر مغايرة في هذه القضية فان قيام نظام سياسي واضح وتوالي حكومات وطنية منتخبة يستلزم ذوبان هذه الظاهرة وتلاشيها في العراق .
ان التدليل على انتفاء ضرورة التمظهر المسلح للجماعات المختلفة وتبيان تهديداتها للدولة والمجتمع والسلم الاهلي لايلغيان حقيقة وجودها ، ولايسهمان منفردين في معالجتها ، اذ اننا ازاء فراغ حقيقي لسلطة الدولة لابد من ملئه ، وتعزيز القدرة على تحقيق الامن وتقديم الحماية لشرائح وقطاعات مهددة من مجاميع ارهابية وطائفية ، ومعالجة الجذور السياسية والاقتصادية للظاهرة ، وتحريم وتجريم الفكر التكفيري والطائفي التحريضي بما يستلزمان من تشريعات وتدابير رادعة ، والكف عن سياسات الإقصاء والتهميش والملاحقة خارج اطار القانون ومؤسساته القضائية النزيهة والمستقلة . هذه الحزمة من السياسات والاجراءات وتفاعلاتها لايمكن ضبطها والركون الى نتائجها خارج اطار المصالحة الوطنية وبشراكة حقيقية تنتهي الى تحقيق العدالة والشعور بالمساواة وحماية القانون وبما يلغي الحاجة الى سلطة بديلة او منازعة للدولة .
ان الاستهلاك السياسي لشعار المصالحة ، خلال السنوات الماضية ، وتنامي التمرد على سلطة الدولة مدفوعا بعوامل الياس والحاجة ، يجعلان من مهمة المصالحة امرا عسيرا ، لكن استمرار زخم التوافق عليها والمنبثق عن الحكومة الجديدة ، مع وجود شخصية وطنية ودولية خبيرة كالسيد اياد علاوي على راس هذا الملف ، يجعلان الافق مفتوحا على الحلول والمعالجات الناجعة وتكييف العوامل المحلية والدولية لانجاز هذه المهمة الحيوية.