22 ديسمبر، 2024 1:10 م

على مر التاريخ كان الميزان رمز المصدر الرئيسي للعدل للحق للإنصاف للتسوية بين طرفين أو أكثر للمعاملات المالية والمعنوية وليس هو فقط نتيجة موارد الدولة ومصروفاتها التي توزع على الرعية بشكل عادل رغم اختلاف الطبقات الاجتماعية إن كان ميزان الدولة ضخما انفجاريا أو ضعيفا فمنهج الميزانية على الإنسانية واجب عادل وقد قال تعالى (وهل يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِير أم هل تستوي الظلمات والنورُ الرعد 16 ) وكذلك (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ  فاطر22) دلالة بين طرفين بين الحق والباطل وبين الظالم والعادل بين الفاسد واللا فاسد بين الكافر والمؤمن بين الغني والفقير ،كثيرا ما يحجب الضباب رؤية الآخر يظن الواحد برفاهيته إنه الوحيد في هذه الدنيا وإن ليس هناك من يشبهه قي الوجود وإن ليس هناك من أقوى منه ويمضي في تناقضات ومتاهات الأرض يضيع في مكابداتها وترفها وظلها العالي الذي يظن إنه يمسك الثرية يغرق في دروبها وشجونها وشؤونها وتفاصيلها بوعي أو دون وعي يلهو بين الضجيج والسكون بين القاتل والمقتول بين العلقم والشهد بين الجمال والقبح بين المألوف واللا مألوف بين الممنوع واللاممنوع  يظن إنه الشريك في كل ما في الكون من أبسط الأشياء إلى أعظمها لا تتحرر ” الأنا ” من جسده ولا يجد طريق الفضيلة ولا يلمس شغاف الكرم ولا يستظل في ظل الإنسانية لا يرهف الروح ولا تحفز عنده الجروح ويبقى الضمير في إجازة طويلة من عمره حتى في عالمه المظلم وفي صحرائه الواسعة لا يجد أي قبس من نور ، يتلبسه كل معاني اليأس والوحشة والانكسار والهم والحزن المكنون لكنه يترفع ويتكبر ولا يخطر في باله هناك فرح حقيقي مشرعا بالأمل والارتقاء وارض فيها سماء مشرقة بالشمس وفضاء واسع يملأه النجوم والكواكب والأقمار ، غريبا في كبرياءه وحيداً في عالمه رهيناًلملذاته ومعاركه الليلية والنهارية متمسكاً بأهم أدوات الوجود وقوقعة الذات الواهنة وقادته المثالية الآنية في المكان والزمان أن تنطفئ عيون ميزانه لا يرى ما له وما عليه ، لا يرى في خضم هذا العالم المزدحم روح التأمل بين الجمال والخيال المليء بالصور البشرية والرموز المعنوية ولا يجد خلف ميزانه الأعمى إلا ضباب ظله  ، لقد خلتُ بين الميزان والميزانية عدل وحق وتسوية آدمية لكني وجدت دنيا موسومة بالفساد الميزانيوسواد القلوب وعجرفة العقول وظلمة النفوس وحسابات المنفعة الخاصة وتسلط ” الأنا ” بين جبروت المبررات والتشبث بالوسيلة للوصول إلى الغايات ، في دنيا الميزان والميزانية الإنسانية لم أرى عدل يوصف ولا جمالا يتجلى ولا حقا يؤخذ بين الطالب والمطلوب ولم أرى الحب على أوراق تقدم بل تلوثها الحقد والضغائن والكره وسرقة الورث بين غالب ومغلوب ولمست النقاء والرحمة تتطاير بين فاسد ومفسود وقد ذكر تعالى – في سورة الأعراف آية 8 و9 ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون .

كل ما حولنا ميزان كوني فقد حدد علماء الفلك في اليوم داخله ميزان شمسي وهي الفترة ما بين شروق الشمس وغروبها ما بين الفجر والغسق وتكون نقطة الميزان هي الظهر حتى الصلوات فيها ميزان وميزان الصلوات هي صلاة العصر وكما اجتهد بعض الفقهاء إن صلاة الفجر هي الوسطى وهناك الملايين من الموازين الكونية وضعها الله وسخرها لتحفظ هذا الكون وقد ذكر تعالى في سورة الرحمن (والسماء رفعها ووضع الميزان) فهل يدرك الإنسان إن خلق الأزمات والمعاناة والمكابدات وإشعال شرارة الفتنة والطائفية ونشر الفقر والجهل والرذيلة والمخدرات وضعف الاقتصاد بكل مجالاته ونفي الفكر وموت الثقافة وهروب العلماء والأدباء والمفكرين والولاء الأعمى يخلخل ميزان البلد وما الزلازل والبراكين إلا آية وتنبيه وتحذير لخلل ميزان ما ، إن ميزان حياة الإنسان أي إنسان كان على وجه البسيطة ” الأرض “ العدل والرحمة ومساعدة الآخرين فلا شيء يبقى إن اختل ميزان عمر الإنسان فيا أهل المناصب ومن بيده السلطة والمسؤولية والجاه والمال فالكل مؤتمن على ما لديه كما جاء في الحديث الشريف  ”  كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ    اعدلوا في ميزان حياتكم وقد اقسم الله تعالى في سورة الحجر (  فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ92 عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ  93   ) كذلك في سورة الصافات 24 ( وقَفوهم فهم مسؤولون ) وقد قال الإمام القرطبي في تفسيره ج 15 ص 73 ”  أي احبسوهم أي قفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار إنهم مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم ” وعن ظلم الخلق ،فما بين الحياة والقبر خيط رفيع ولا ندري متى يقطع هذا الخيط الرفيع كلنا راحلون نقف أمام ميزان كبير فتصور ميزانك كيف يكون ؟.